يعترف سياسيون عراقيون شيعة من الصفين الأول أو الثاني بأن الصيغة القديمة لإدارة المناطق السنية مستحيلة الاستمرار. ويتعاملون مع هذه الحقيقة كأساس لأي تسوية أمنية وسياسية مقبلة.

Ad

إلا أن هذه البديهة لا تبدو قابلة للتطبيق السلس، مرة لأن صيغة «حكم ذاتي للسنة في إطار الدستور» تتطلب أولاً ظهور مرجعية سياسية متماسكة للسنة، ومرة أخرى، لأن هذا ليس قراراً عراقياً محضاً، بل صفقة لابد لواشنطن وطهران أن تتدخلا في إبرامها. وهذه المعطيات تزداد تعقيداً مع سقوط الرمادي ودور «الحشد الشعبي» الشيعي في محاولات طرد «داعش» من غرب البلاد.

ومن دون الإجابة عن أسئلة الإدارة والأمن في المنطقة السنية، يبدو صعباً الحديث عن تحريرها من «داعش»، وضمان التعاون المطلوب مع أهلها ومراكز القوى فيها، سواء تعلّق الأمر بنينوى أو الرمادي.

ويدلي القادة العراقيون بشهاداتهم عن كيفية سقوط الموصل بيد «داعش» أمام لجنة نيابية لتحديد أسباب الانهيار العسكري الذي حصل في يونيو ٢٠١٤. ويقولون إن هذه ليست مجرد شهادات، وإنما وصف أوّلي لكيفية تصحيح الأوضاع ومنع تكرار الانتكاسة. فالحكومة السابقة كانت تعيّن حاكماً عسكرياً شيعياً لكل محافظة سنية، يلغي دور الإدارة المحلية المنتخبة في كل مدينة. وسلوك الحاكم العسكري في الغالب كان يمنح لمتطرفي السنة وبقايا البعثيين مبررات لتعبئة الجمهور ضد النظام السياسي، ما انتهى إلى ظهور «داعش» كتجسيد لرعونة الخيارات السياسية لدى الجانبين، على حد تعبير أكثر من سياسي بارز يحاول توصيف ما تتطلبه المرحلة المقبلة.

ولايزال قطاع واسع من سنة العراق ينتظر تشريعات تصوغ وضع الإدارة والأمن الجديدين. وسيضمن ذلك تأييداً سنياً فعلياً للحرب على «داعش»، لكن ما يؤخر هذا الانتقال هو الانقسام السني نفسه، بين عشائر تعترض على السياسيين السنة الذين فازوا في انتخابات يعتقد أنها ناقصة النزاهة، وبين الساسة السنة أنفسهم الذين يختلفون حول قضايا مناطقية وأخرى تتعلق بمكاسب مالية مشبوهة أحياناً.

وهكذا فإن تلكؤ القوى السنية في إفراز طرف قوي يمثلها جعل جهود الأطراف العراقية الأخرى، وحتى واشنطن نفسها، بطيئة لا تدري إلى أي طرف يجب منح الصلاحيات الإدارية والأمنية الجديدة.

إلا أن العامل الأكثر تأثيراً على مشروع التحول هذا، هو الدور الإيراني. ولا يتردد المسؤولون الشيعة في الاعتراف بأن طهران لن تسمح بظهور قوة سنية سياسية وعسكرية مستقلة نسبياً عن بغداد أو شبيهة بالإقليم الكردي، لأن ذلك سيمثل حاجزاً سياسياً وعسكرياً يقطع السهول الممتدة بين طهران ودمشق عبر الأرض العراقية.

لكن هؤلاء يقولون أيضاً إن هذه الصيغة ذات الاستقلال النسبي ستظهر لأن القناعة بشأنها تتزايد في بغداد وواشنطن، وقصارى ما هنالك أن طهران ستبقى تعارضها على أمل أن تتدخل في حسم تفاصيل طابعها أمنياً في المنطقة المتحكمة بطرق تجارية كبرى نحو البحر المتوسط، والقريبة من مكامن البترول والغاز المتناثرة حولها.

ويحتم كل ذلك على المحيط الإقليمي أن يكون شريكاً في رسم الصلاحيات الإدارية الجديدة، وتحديد الأوزان بين الإقليم السني والحكومة المركزية التي ستظل عملياً بيد الأغلبية الشيعية، وهي أغلبية منقسمة بين معتدلين يدفعون باتجاه التصالح، وأطراف تفضل الصدام وتتلقى دعماً قوياً من طهران يعرقل الاتفاقات الداخلية الضامنة للاستقرار.