اللافت أن خطاب الحكومة المحذّر من انخفاض أسعار النفط وأثره في الميزانية في 2015، هو ذاته في نهاية التسعينيات، وما بينهما انتقادات حكومية ومتخصصة لسياسات الدعم والإنفاق.

Ad

كال البنك الدولي -التابع للأمم المتحدة- من خلال جلسة نقاشية يوم الثلاثاء الماضي مجموعة مستحقة من الانتقادات لعمل الإدارة العامة في الكويت من بوابة سوء وبطء دورة تنفيذ المشاريع الرأسمالية، وبيروقراطيتها، وتعقيداتها، وتكرارها، والافتقار إلى القواعد المؤسسية، وعدم فاعلية نظم الرقابة والتقييم، وغيرها من الملاحظات السلبية.

ورغم شدة الملاحظات، فإنها نالت اعترافاً من الحكومة الممثلة في وزيرة التنمية هند الصبيح، التي تعهدت بالتنسيق بين وزارتي التخطيط والمالية، لمعالجة الملاحظات التي أوردها البنك الدولي خلال الجلسة.

ما ورد أعلاه، ربما تكرر عشرات إن لم يكن مئات المرات على الأقل منذ تحرير الكويت عام 1991 إلى أمس الأول، حيث تكلف الدولة مؤسسة عالمية أو تشكل لجنة محلية من مجموعة متخصصة لوضع الحلول لمشاكل مزمنة تعانيها الإدارة أو الاقتصاد، ليقدموا انتقاداتهم للأوضاع وحلولهم وتعترف الحكومة بها كلها، وتتعهد كما تعهدت الوزيرة الصبيح بوضع الحلول دون عمل أو معالجة أو إنجاز لما تم انتقاده أو تحديده من مشكلات.

فمن يتذكر تقارير اللجنة العليا لإصلاح المسار الاقتصادي؟ أو تقارير ودراسات المجلس الأعلى للتخطيط؟ أو توصيات اللجنة الاستشارية الاقتصادية؟ أو معالجات مؤسسة ماكينزي؟ أو حلول رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير؟ فضلاً عن صندوق النقد والبنك الدولي وغيرهما الكثير من الدراسات والملاحظات والتوصيات التي تعترف الحكومة بحقيقتها، لكنها عند التنفيذ يصح فيها المثل الشعبي: «أذن من طين وأذن من عجين»، كدلالة على استحالة التنفيذ أو عدم الرغبة في الحل.

انتقادات البنك مكررة، واعتراف الحكومة بالفشل مكرر أيضاً، فلم يمض وقت طويل على إعلان الحكومة فشلها في تطبيق خطة التنمية الأولى بعد أربع سنوات من التطبيق، لتبدأ مجدداً في خطة أخرى دون أن تحدد مؤشرات ومحددات النجاح والفشل، ليتواكب هذا الفشل مع مرور نحو 12 عاماً على مشروع التحول إلى مركز تجاري ومالي دون نتائج ملموسة... بل يمكن التساؤل، كم مرة اعترفت فيها الحكومة بالفشل والتقصير في ملفات غير الدورة المستندية كالخلل في الإنفاق، والعمالة والعمل والتعليم، والتركيبة السكانية، وضعف الإيرادات غير النفطية، وهجرة الأموال وصعوبة استقطابها من الخارج؟

خطة التنمية مثلاً، كان من المفترض أنها مشروع الدولة الأساسي منذ عام 2009، لكن تم اكتشاف أنها غير صالحة، ويجب تغييرها في العام الأخير من مدتها، مما يشير إلى أن العلة ليست فقط في خطة التنمية، بل في الإدارة الحكومية التي تشرف على تنفيذها منذ اليوم الأول لإقرارها، فلا يعقل إضاعة خمس سنوات من التوقعات الإيجابية تمر بلا محاسبة لأي طرف سياسي أو فني.

اللافت، أن خطاب الحكومة المحذّر من انخفاض أسعار النفط وأثره في الميزانية في 2015 هو ذاته في نهاية التسعينيات، وما بينهما انتقادات حكومية ومتخصصة لسياسات الدعم والإنفاق، وكذلك فوائض مالية ضخمة واستثنائية لم تستخدم لا في تحسين بيئة العمل الاستثمارية المحلية، ولا في حل الاختلالات الأساسية في الاقتصاد كإصلاح سوق العمل، أو وجود مصدر آخر لو ثانوياً للدخل غير النفط.

كثير من القرارات المطلوبة لا يحتاج إلى دراسة توصية جديدة، فالحلول مكدسة منذ سنوات، وعبرت عنها حديثاً تقارير اللجنة الاستشارية الاقتصادية العليا والمجلس الأعلى للتخطيط، لكن يبدو أن هناك خوفاً من اتخاذ أي قرار جدي يحمي الميزانية في المستقبل، فضلاً عن أن هناك شكاً في قدرة من لم يعمل خلال فترة الفوائض المليارية، منذ 15 عاماً على إصلاح الاقتصاد، أن يكون قادراً على التعامل مع تحديات صعبة تستلزم إجراءات عاجلة.

فتنويع الاقتصاد، وفتح قنوات استثمار، هما الجناح الثاني لخفض النفقات وترشيد الدعم، لذلك يجب الحديث مجدداً عن الضريبة على الشركات والجهود الخاصة المفروض بذلها لجذب استثمارات أجنبية في الكويت، لتعزيز إيرادات الضرائب جنباً إلى جنب مع الشركات المحلية، مع الأخذ بعين الاعتبار إصلاح سوق العمل الذي يمثل التحدي الأكبر خلال السنوات المقبلة، فضلاً عن إصدار قوانين تسهل إطلاق فرص عمل جديدة في القطاع الخاص، إلى جانب تسريع العمل لتشغيل ميناء مبارك ومدينة الحرير، لتوفير فرص عمل في القطاعات الخدمية واللوجستية، والتطوير العقاري، والاستثمار الصناعي والمالي والسياحي وغيرها، وفقاً لقواعد تنافسية تكون الدولة فيها منظمة ومشرفة على السوق، وجابية للضرائب من الشركات التي تستفيد من هذا السوق.

إن الاعتراف بالفشل في الدول المؤسساتية يعني كثيراً من الأمور، منها تنحي من تسبب في الفشل واتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأسباب، أما في الكويت، فلا حرج من إعلان الفشل والعمل مع الأشخاص أنفسهم، والآلية والبيئة التي تسببت في ما حدث، لذلك نرى أن التراجع بات متكرراً في أكثر من مجال، ولا يقتصر فقط على الدورة المستندية التي تحدث عنها البنك الدولي أمس الأول، بل يتعداه إلى قرارات الإصلاح الاقتصادي وما يرتبط معها بالتعليم والعمل والاستثمار وغيرها.

التعاقد مع المؤسسات الدولية وبيوتات الاستشارة العالمية، لن يكون حلاً وحده ما لم يرتبط برغبة وقدرة على اتخاذ القرار الصحيح، الذي يحمي الكويت من أخطار أسعار النفط، وإلا فإن هذه التعاقدات لن تتعدى ما يحدث من سياسات «إبر البنج» الحكومية التي لم تعد تعطي نتائجها كما كانت سابقاً.