يبدو أن تعامل الحكومة مع تداعيات انخفاض أسعار النفط والعجز المحتمل في الموازنة العامة للدولة لن يخرج عن توصيات البنك وصندوق النقد الدولييين، وهي توصيات "مُعلّبة" وجاهزة ومعروفة على مستوى العالم، لأنها تتبنى، في محصلتها النهائية، وبعيداً عن تفاصيلها الدقيقة، نماذج اقتصادية نيوليبرالية متوحشة وفاشلة سبق أن طُبِّقت في الدول الرأسمالية الصناعية منذ سبعينيات القرن المنقضي، وكانت نتيجتها مشاكل اجتماعية- اقتصادية عديدة، خاصة في الدول العربية ودول شرق أوروبا، وفي مقدمتها ارتفاع معدلات البطالة ووصولها إلى أرقام قياسية، واتساع الفوارق أو الهوة الطبقية، نتيجة احتكار السلطة والثروة من قِبل قلة مُتنفذة، وسحق "الطبقة" الوسطى، والمزيد من الإفقار لفئات شعبية واسعة وتهميشها سياسياً.

Ad

السياسات الاقتصادية النيوليبرالية المتوحشة التي تنظر إلى الإنسان باعتباره مجرد سلعة من السلع يرمز لها برقم أو حرف، وتُنادي باقتصاد السوق المنفلت أي الخصخصة، وإلغاء الضوابط والقيود القانونية على رأس المال وتصفية النشاط الاقتصادي للدولة، وتقليص شبكة الضمان الاجتماعي إلى أقصى حد ممكن، والتبعية الاقتصادية، لن تعالج عجز المالية العامة للدولة أو اختلالات الاقتصاد الوطني، فقد كانت نتيجتها أزمة مالية واقتصادية خانقة عام 2008، عانى منها، ولا يزال، الاقتصاد العالمي، علاوة على تبعاتها الاجتماعية- السياسية السيئة على الدول التي تبنتها ونادت بتطبيقها ومن ضمنها أميركا.

 وكما ذكر التقرير الاقتصادي الأسبوعي لشركة الشال للاستشارات بتاريخ 30 ديسمبر 2012، فإن دراسة "معهد السياسات الاقتصادية في واشنطن قد أكدت، وفقاً لبيانات جمعها أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا بيركلي، إيمانويل سايز، أن منافع النمو كلها في الولايات المتحدة الأميركية، على مدى 32 سنة (من 1976 إلى 2008) ذهبت إلى أغنى 10%". ويقول إن "متوسط النمو الحقيقي في الدخل، خلال هذه الفترة بلغ 12.157% دولاراً، وأن أغنى 10% حصلوا على هذه الزيادة كلها، بينما الـ90% الباقون كان نمو دخلهم صفراً. وحتى ضمن أغني 10%، تقدر الدراسة أن نحو ثلثي هذه الزيادة ذهب إلى أغنى 1%، في حين ذهب الثلث الآخر إلى الـ9% الأقل غنى، ووفرة المعلومات حول الولايات المتحدة لا تعني أن هذا النموذج من التوزيع، أو شيئاً قريباً منه، ليس صحيحاً في باقي الاقتصادات الرئيسة".

ومنذ حدوث الأزمة الاقتصادية الرأسمالية عام 2008، التي أثبتت فشل السياسات النيوليبرالية وسقوط خرافة السوق، بعد أن طالب كبار أصحاب رؤوس الأموال بتدخل مباشر للدولة في النشاط الاقتصادي، فإن كثيراً من دول العالم، بما فيها الدول الرأسمالية الصناعية، مازالت تبحث عن بدائل اقتصادية جديدة وعادلة تخفف ثقل المشاكل التي سببتها السياسات الاقتصادية النيوليبرالية المتوحشة.

وعلى النقيض من ذلك نجد أن الحكومة في طريقها إلى تبني هذه السياسات، وهذا معناه أنها تسير عكس السير، لأنها، على ما يبدو، لا تستطيع التفكير خارج "الوصفة السحرية الجاهزة" المقدمة من قِبل البنك وصندوق النقد الدوليين، والتي تتبنى نماذج مستهلكة وفاشلة لسياسات اقتصادية نيوليبرالية غير عادلة لا تراعي طبيعة ظروفنا الاجتماعية- الاقتصادية ومرحلة تطورنا، وبنية القطاع الخاص المحلي وطبيعته.