بعد أيّامٍ من تسلُّمي مقاليد القيادة في عملي كتب إليّ عزيزٌ مهنّئاً، ونصح لي مبيّناً ما يكون من القائد الفذّ لمرؤوسيه حتى يملك قلوبهم، ويفجّر لصالح العمل طاقاتهم، وقد أجبته بدوري، فبيّنت ما يريده القائد من مرؤوسيه وفريق عمله، قائلاً:

Ad

صديقي المستشار العزيز:

بعد التحيّة والسلام، فإني أشكر لك تهنئتك اللطيفة، وتمنياتك الطيّبة، وأقدّر كلَّ التقدير صدق حرصك على نجاحي، وأعدك بأن أستشعر دائماً نصائحك القيّمة، وحكمتك المعهودة، فلا أخيّب لك ظنّاً، ولا أقلق لك بالاً.

ولكنّي يا عزيزي أرى النّجاح لا يستقيم إلّا على ساقين اثنتين، وقد تفضّلتَ في رسالتك لي فذكرت ساقاً، وها أنا ذا أودّ أن أذكر لك الساق الأخرى، والتي تكمن في رأيي فيما يأمله القائد من مرؤوسيه حتى يستقيم نجاح العمل، ويعتدل أمره.

أيْ صديقي: أنت أعلم الناس بأنّي ما وصلتُ إلى ما وصلتُ إليه إلّا بالكدّ والجهد، ووصل الليل بالنهار، وقضيت من العمر مرؤوساً ربما أكثر بكثيرٍ ممّا قد أقضيه قائداً، وقد نظرتُ من موقعي الجديد هذا متأمّلاً فيما يريده القائد من فريقه ومرؤوسيه، فوجدت أنّ أوّل ما يُطلب من المرؤوس أن يتحلى بالأمانة والنزاهة والصدق، إذ بهذه الخصال يمكن بناء جسور الثقة بين القائد والمرؤوس بكل سهولة، مما سيجعل أجواء العمل إيجابية ومحفزة للإنتاج، وهذه الخصال كما ترى هي خصال يختارها المرء في حياته بما يمليه عليه دينه ونشأته وأخلاقه ومجتمعه، ولا يمكن تلقينها أو التدرب عليها.

الأمر الآخر الذي يريده القائد من أتباعه ومرؤوسيه هو الإتقان في العمل، فالله يحب من أحدنا إذا عمل عملاً أن يتقنه، ولا يكون الإتقان إلا بالإخلاص والاجتهاد في العمل، والدّربة والاشتغال على النّفس، والتمحيص في الدقائق والتفاصيل، واكتساب الخبرة، فينظر المرء إلى وقت عمله نظرةً ملؤها الجدّيّة والتفاني والحرص على الاستفادة المثلى من كامل زمنه في العطاء والإنجاز، ولابدّ له من أن يؤمن بأنَّ الإنسان إنّما يُقاس بما يعطيه، لا بما يأخذه، فإذا حصلنا ذلك أدركنا الإتقان وارتقينا بجودة العمل.

ويريد القائد كذلك من أتباعه الاحترام؛ احترام الذات أولاً ثم احترام الزملاء والرؤساء والآخرين، ولا يقصد من الاحترام هنا المجاملة أو الأدب فقط، بل الأمر أكبر من ذلك، فمتى ما احترم المرء نفسه وإمكانياته وعلمه وعمله، وأدرك مواطن القوة والضعف في نفسه وعمله، انعكس ذلك على عمله وتحمل مسؤولياته بكل شجاعة، وامتد ذلك إلى نظرته لأدائه وزملائه ورؤسائه، ومن هنا تنبثق حاجة أخرى يريدها القائد من أتباعه، ألا وهي العمل كفريق وبروح الفريق، فعلى المرؤوس أن يبدي اهتماماً بزملائه، فلا يجعل منهم أنداداً ولاخصوماً ولا ينصّب نفسه عليهم وصيّاً، حتى لا تنقطع بينه وبينهم حبال المودّة والثّقة، ممّا ينعكس سلباًعلى أداء الفريق، وأن يسعى المرؤوس لحل الخلافات الطارئة– والتي لا بد حاصلة - بينه وبين أعضاء الفريق أو فيما بين أعضاء الفريق بمسؤولية ومهنية ونضج، ولما فيه صالح العمل.

وتجنباً للإطالة، سأسرد أشياء أخرى مهمة سرداً يريدها القائد من مرؤوسيه، ولعلها تكون فرصة للحوار حولها متى ما التقينا في القريب العاجل بإذن الله، فمن أهم هذه الأشياء التي يريدها القائد من مرؤوسه أن يؤمن بما يقوم به، وبالرؤية المتعلقة بالعمل، وأن يحاول أن يرى الصورة العامة أو الكبرى للمنظمة أو المؤسسة، مركّزاً على الإيجابيات التي فيها، وأن يعتبر نفسه ممثلاً أو سفيراً للجهة التي يعمل فيها، وإذا احتاج الأمر للعمل ساعات إضافية أو بجهد أكبر من أجل المؤسسة قام بذلك بوازع ذاتي وبدون انتظار لمكافأة أو تقدير، ويريد القائد أخيراً من مرؤوسه أن يحسن ويجمل به الظن، وأن يثق بأن قرارات القائد تصدر بما يتوافر للقائد من معلومات حينئذ وأنها تصب في مصلحة العمل، حتى وإن لم ير المرؤوس ذلك أو رأى أنها قد تضره شخصياً، وأن يسمح المرؤوس للقائد بأن يخطئ أحياناً، فالقائد غير معصوم، وكل ابن آدم خطاء، وإذا شهد المرؤوس ما لا يعجبه، فلينقل ذلك إلى قائده وحده في المكان والوقت المناسبين.

واعلم يا صديقي أنّه متى وجدتُ أو أوجدتُ هذا المرؤوس؛ فسأكون قد وضعت قدمي على سكّة النجاح بإذن الله، فأنا أومن أشدّ الإيمان بأنّ نجاح القائد مرهونٌ بفريقه... ودمتم بخير.

المخلص لكم دوماً

القائد الجديد

ملحوظة: أحتفظ برسالتكم في أرشيفي الخاص للعودة إليها بين الحين والآخر.