قبل عامين حدثني أحد الأصدقاء المقربين عن مشكلة أخيه الطالب بالصف الأول الثانوي، والذي مشكلته الأولى اللغة الإنكليزية، حيث لا يعلم منها سوى yes وNo، أما الثانية فهي أن شهاداته عادة ما تأتي بعد اختبارات الفترة كالرصيف الملون بين «الأبيض والأسود»، فطلب مني الحل، فقلت له عليك بالدروس الخصوصية المكثفة، والسنة الماضية تخرج ولله الحمد. لكن الصاعقة التي نزلت على رأسي، هي نسبة التخرج المرتفعة جداً والتي تؤهله ليدخل التخصص الذي يريده على نفقة الدولة، فسألت صديقي عن السر الذي حوّل أخاه من راسب إلى متفوق، وكنت أقول في نفسي: «لابد من نقلة فكرية أثرت في أخيه»، فكان جوابه بسيطاً: «نقلناه من المدرسة»، دون أن يتغير شيء مع أخيه، لم يطور نفسه، لم يأخذ دروساً خصوصية، ظلت مشاكله التعليمية في المدرسة القديمة هي ذاتها في الجديدة، لكن الذي تغير أنه كان راسباً فتحول إلى متفوق دون أي مجهود أكثر، سوى أن المسافة إلى المدرسة الجديدة كانت أبعد من القديمة! تبنى الأمم بالعلم، والحضارات يصنعها العلماء، والإصلاح السياسي الشامل يبدأ بالتعليم وينتهي به، وجدية أي حكومة تقاس بمدى اهتمامها بالتعليم، لأن الاستثمار في البشر هو أضمن استثمار في وقتنا الحالي، وعوائده المستقبلية كبيرة جداً، والدول «الواعية»، تدرك أهمية هذا النوع من الاستثمار بعيد المدى، الذي يصنع الإنسان المنتج.أعتقد أن التعليم عندنا لا يختلف كثيراً عن باقي أجهزة الدولة المترهلة، التي ينخر فيها الفساد، والسيطرة عليه تزداد صعوبتها يوماً بعد يوم، فارتفاع النسب في السنوات الأخيرة مؤشر خطير، ولاسيما ما يحدث في بعض المدارس الفجة، مثل التي خّرجت أخا صديقي وتخرج غيره كثيرين بشكل سنوي، ومعهم شهادات التفوق «المضروبة»، فالمتفوقون الذين من المفترض، وفق مفهوم العدالة الاجتماعية، أن يحظوا باحترام أكثر من غيرهم، مع كل أسى، بينهم الكثير من حملة الشهادات «المزورة» لحقيقة حاملها، فمجتمع أمّي أفضل بكثير من مجتمع وصل التعليم فيه إلى هذه الدرجة من السوء، فالأميّ لا يدعي المعرفة، بعكس الذي تعلم تعليماً سيئاً، وانخرط في أي مؤسسة أو سلك في الدولة.لذا على الدولة أن تعي خطورة سوء التعليم، وتتعامل بحزم مع المدارس التي تسمح بالعبث بين جدرانها، لاسيما الخاصة منها، بالإضافة إلى المكتبات الكثيرة التي تبيع «البراشيم»، كبيع الدفاتر، بشكل علني، دون خوف أو خجل.
مقالات
تعليمنا «مضروب»
13-06-2015