لفت كتاب «داعش.. الكتاب الأسود» بداية إلى التشابه الكبير بين تنظيم «داعش» والأفكار والأساليب التي استخدمت من عصابات «المافيا» التي اعتمدت العنف والقتل وسيلة للتعبير عن نفسها، معتبراً أن التنظيم الدموي يلخص مسيرة التاريخ الأسود لتجار الدين عبر العصور.

Ad

يشير المؤلف فادي عاكوم إلى أن المنظمات الإرهابية العاملة في سورية تشبه كثيراً المنظمات الإجرامية وعصابات المافيا التي تعتمد على سيطرة العائلة الأم على كل الأعمال الشرعية وغير الشرعية، عبر بسط النفوذ بشتى الطرق والأساليب والسيطرة على باقي العصابات الخطيرة وإجبار الجميع على العمل تحت جناحها، موضحاً أن المؤشر الثاني للتشابه بين «داعش» و{المافيا» هو أن هدف الأولى القضاء على باقي المجموعات المسلحة الأقل حجماً في سورية، وهو ما تحقق فعلاً على الأرض مع قيام «جبهة النصر» و{داعش» قبل وقوع الخلاف بينهما بمهاجمة كثير من فصائل الجيش الحر، فما كان من هذه العناصر إلا أن تركت مواقعها وانسحبت إلى مناطق أخرى غير خاضعة لسيطرة هذه الجماعات أو الالتحاق بأي من الجماعتين وإعلان الولاء الكامل لها لضمان التمويل والوجود على الأرض.

يستعين عاكوم برواية «س.أ» (شاهد عيان) كان تاجراً في مدينة الرقة السورية وهرب مع أسرته إلى القاهرة، يقول: «دأبت العناصر الإرهابية منذ بدء ظهورها في 2011 تحت راية جبهة النصرة على السيطرة على المقدرات الأساسية للمناطق التي ينسحب منها الجيش النظامي بحجة الاهتمام بمتطلبات المواطنين والتوزيع العادل والعمل على عدم استغلال المواد التموينية والثروات الموجودة من قبل العصابات وقطاع الطرق والمنتفعين والتجار».

 يستكمل «س.أ»: «بمرور الوقت وبعد تصفية معارضي «داعش» و{جبهة النصرة» بدأت رائحة الفساد تفوح من تصرفاتهم، فاختفت غالبية الآلات الموجودة في المصانع وتبين أنهم باعوها لتجار موالين».

الأمر نفسه بالنسبة إلى «م. ب» من تنسيقية الغوطة، الذي قال إنه من خلال عمله الميداني والإعلامي اقترب من بعض تجار النفط وعرف منهم الطريقة المتبعة من «داعش» للتصرف بالنفط المستخرج، فجميع الآبار توجد بها عناصرهم لحمايتها من أي محاولة من تنظيمات أخرى للسيطرة عليها ويتم الإنتاج والتعبئة بالبراميل تحت إشرافهم، مستكملاً: «بعد استخراج النفط الخام يجري بيعه إلى التجار الذين ينقلونه عبر الصهاريج أو عبر شاحنات محملة بالبراميل، وتتم الصفقات بين التجار والعاملين غير المنتمين إلى «داعش»، فعناصر الأخير يبقون في الخفاء ولا يظهرون في الصورة، كي يتهرب التنظيم من اتهامات كثيرة حول المشترين وجنسياتهم وميولهم ومصير النفط المباع». ويضيف أن بعض الآبار زود بمحارق وهي آلات بدائية لتكرير البترول لتأمين مادتي البنزين والمازوت لبيعها في الأسواق المحلية وتأمين حاجة آليات «داعش» العسكرية وسياراتها.

تمويل الإجرام

من ناحيته، يؤكد المهندس هاني غُصن، وهو سوري الأصل ويعمل في إحدى شركات البترول الأجنبية في العراق، أن ما يقوم به «داعش» من استيلاء على منابع النفط لبيعه يعتبر سرقة بالمعنى الصحيح، خصوصاً أن هذه الآبار تعود ملكيتها إلى الشعوب والحكومات، موضحاً أن الأخطر من السرقة هو استخدام المقابل المادي في تمويل عمليات إجرامية بعيدة عن الإنسانية والإسلام سواء قتل أو إعدام أو تعذيب.

ويسرد عاكوم بعض السرقات التي تتم تحت ستار تطبيق الشريعة الإسلامية، فيفرض «داعش» ضريبة الحماية وهي تجبى مقابل الخدمات والحماية للسكان وتفرض على المواطنين العاديين والتجار، ومن يرفض الدفع يكون جزاؤه السجن أو الجلد. وبالنسبة إلى التجار، تكون عقوبتهم إقفال محلاتهم، وتجد حصة المزارعين الضعفاء النهب والسرقة، ويدفعون الإتاوات تحت مسمى «زكاة الحبوب» بعدما عمّم «داعش» بياناً باسم «بيان جباية الحنطة والشعير».

تبرع برصاصة

«تبرع برصاصة لقتل أخيك المسلم» هذه الكلمات جاءت كعنوان لإحدى صفحات الكتاب، يقول فيها عاكوم: «مع اقتراب شهر رمضان 2014 بدأ تنظيم داعش حملة مكثفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر و{واتس آب» للتبرع بالمال لشراء السلاح والذخائر تحت مسمى الجهاد بالمال»، فبدلاً من أن يتم جمع المال في هذا الشهر الفضيل لتغطية حاجات المواطنين تحت مسمى الزكاة مثلما يحدث في الدول الإسلامية كافة يُفاجأ الجميع بأن هذا التنظيم الإرهابي يجمع الأموال كي يشتري بها السلاح اللازم لقمع المواطنين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين.

لم ينس المؤلف أن يشير إلى كارثة فرض الجزية على مسيحيي سورية والعراق، حيث ذكر شهادة «م. ل» الذي قال: «أشعر بالخجل الشديد من جاري المسيحي، أشعر حقاً بالخزي والعار من تصرفات هذه الجماعات»، مضيفاً أن بعض الوجهاء والمسنين من أهالي «الرقة» حاولوا التفاوض مع «داعش» لوقف مشروع الجزية، إلا أن الرفض كان واضحاً، حيث جاء الرد: «من يقف بوجه فرض الشريعة من الأهالي سيعتبر مرتداً، ويطبق عليه شرع الله»، وهي عبارة تفيد بأن من سيعترض أو يحاول منع جباية الجزية سيقتل في الساحة العامة. وتنص اتفاقية الجزية على دفع كل رجل مسيحي غني 17 غراماً من الذهب ومتوسط الحال يدفع نصف ما يدفعه الغني. أما الفقير فيدفع نصف ما يدفعه متوسط الحال كل شهر، على ألا يتم إظهار الرموز المسيحية كالصلبان خارج الكنائس ويمنع قرع الأجراس وأصوات الصلاة، ولا يجوز للمسيحي شرب الخمر علناً، بالإضافة إلى منعهم من شراء السلاح والالتزام بقواعد اللباس الشرعية، خصوصاً النساء. ومن لا يتقيد ببنود الاتفاق سيعامل معاملة العدو.

يوضح المؤلف اللبناني أن داعش تخفي جرائمها تحت غطاء إقامة الحد، وفقاً لتصريحات علماء الدين الإسلامي الذين انتقدوا قيام هذه الجماعة بإقامة حد الشرع حيث لا صفة دينية لهم ولذلك يعتبر ما يفعلونه جريمة مكتملة الأركان، خصوصاً أن المنوط به تنفيذ شرع الله هو ولي الأمر أي الحاكم، علماً أن التاريخ الإسلامي لم يشهد واقعة ما لتنفيذ الحد من أفراد.

وينتقد الكتاب الفيديو المنتشر على موقع «يوتيوب» لقطع يد سارق من مدينة حلب، حيث يتضمن مشاهد دموية، ويقول: «لو سلمنا جدلاً أنه يحق لعناصر «داعش» تنفيذ حد السرقة فكان يجب على هذه العناصر ترك السارق وعدم إكمال التنفيذ بعد الضربة الأولى ونقله إلى أقرب مستشفى والقيام بعلاج يده وإعادتها كما كانت لأن شرط تنفيذ حد السرقة هو التنفيذ بضربة واحدة مطلقة، وليس عن طريق ضربات متتالية ما يحول القصاص إلى عملية تعذيب تسيء إلى الإسلام وتظهره دموياً».

يؤكد المؤلف أن للأطفال النصيب الأكبر من الخطر الداعشي، حيث انتشرت ظاهرة تجنيدهم واستعمالهم من كل من «داعش» و{جبهة النصرة» و{أحرار الشام» خلال جرائم القتل، وطبقاً لشهادة بعض الأطباء الميدانيين أنهم يستقبلون في المستشفيات الميدانية والمراكز الصحية أطفالاً مصابين بطلقات نارية، مؤكدين أن الأطفال يكونون سعداء بإصاباتهم وآلامهم التي يعتبرونها دليلاً قاطعاً على الجهاد والقتال في سبيل الله، إذ يرون الموت والاستشهاد وكأنه نزهة سيقوم بها إلى إحدى الحدائق أو الملاهي.

يستكمل عاكوم كلامه: «المشكلة الكبرى أن أحد الأطباء سأل طفلاً: لماذا تقاتل مع «داعش»؟، فأجابه: «لإقامة دولة الخلافة وتنفيذ شرع الله والاستشهاد في سبيل الله». ويتساءل المؤلف: «لماذا لم يجب أحدهم بأن هدفه هو «إسقاط نظام الأسد» أو «حماية المواطنين والأهالي؟».