قد يبدو قرار سويسرا المفاجئ حول التوقف عن ربط قيمة الفرنك باليورو ووقف العمل بالحد الأدنى لسعر عملتها مقابل اليورو استسلاما في وجه الخطوات الكبرى التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي بغية إضعاف اليورو، ومن هذا المنطلق يوجد تفسير آخر مقبول بقدر أكثر: يقوم البنك المركزي السويسري ببساطة بتغيير الجبهات في حرب عملات عالمية.

Ad

يذكر أن دور الفرنك السويسري كملاذ آمن تقليدي حصل على دفعة قوية عن طريق أزمة الديون الأوروبية في سنة 2011: يومها كان الكل، وبصورة مفاجئة، يسعى وراء الفرنك وليس اليورو، ومن أجل المحافظة على تنافسية المصدرين السويسريين في أوروبا تدخل البنك الوطني السويسري، وقام بشراء ما قيمته 250 مليار يورو من العملات الأجنبية خلال ثلاث سنوات بغية الحيلولة دون ارتفاع قيمة الفرنك فوق نحو 0.83 لليورو، وفي سنة 2013 ذهبت نسبة تبلغ 54.9 في المئة من الصادرات السويسرية الى الاتحاد الأوروبي، وكان الإجراء الطبيعي هو ربط معدل الفرنك باليورو.

وبعد أن أصبح البنك المركزي الأوروبي أكثر تقبلاً لمعدلات أدنى، ودفع قيمة اليورو الى مستويات أقل، أصبح الربط أقل منطقية بازدياد، ولم يقتصر الأمر على فقدان الاحتياطيات الأجنبية السويسرية قيمتها إزاء الدولار، وهي حالة ليست مأساة في حد ذاتها، لأن المصدرين السويسريين قد أصبحوا أيضاً أقل اهتماماً بالبيع الى أوروبا لأن المنطقة غدت في حالة ركود على الرغم من تخفيف السياسة النقدية.

وفي شهر نوفمبر من سنة 2014، وهو آخر شهر توافرت فيه معلومات من الجمارك السويسرية، ازدادت بنسبة 10 في المئة الصادرات السويسرية الى الولايات المتحدة ، وهي ثاني أكبر شريك لسويسرا بعد الاتحاد الأوروبي الذي كان مسؤولاً عن 21 في المئة من صادرات سويسرا في سنة 2013.  وكانت تلك رابع زيادة شهرية ثنائية الرقم من هذا النوع على التوالي، وعلى العكس من ذلك، هبطت الصادرات الى الاتحاد الأوروبي بنسبة 12 في المئة، كما تحقق أيضاً نمو قوي في المستوردات من الولايات المتحدة وهبوط حاد في المستوردات الأوروبية.

الاقتصاد السويسري المرن

يتسم الاقتصاد السويسري بمرونة تامة، ولديه قدرة سريعة على التكيف مع التدفق التجاري وفقاً لنماذج الطلب وتغير معدلات العملة، وبينما لا تستطيع سويسرا الإقلاع بصورة تامة عن التعامل مع أوروبا– فهي قبل كل شيء محاطة بدول الاتحاد الأوروبي– فإن فشل المحاولات الأوروبية في إحياء الاقتصاد وتوقعات حدوث مزيد من الضعف في قيمة اليورو، مما يجعله باهظ التكلفة بالنسبة الى الحفاظ على التنافسية في ذلك الجزء من العالم، أجبر السلطات النقدية السويسرية على البحث عن أسواق أخرى، وشمل ذلك أميركا اللاتينية وآسيا، حيث يتمتع الدولار بصورة تقليدية بأهمية تفوق اليورو، كما أن العديد من العقود يتم إبرامها بالدولار الأميركي.

وفي ذلك السياق، تبدو منطقية الى حد كبير تلك الملاحظات التي طرحتها كيت جاكس وهي استراتيجية عالمية لدى البنك الفرنسي سوسيته جنرال حيث قالت:

"لم يقرر البنك الوطني السويسري التخلي عن سياسته بل إنه غير مساره فقط، وفي أعقاب السماح للأسواق ببلوغ مرحلة الوضوح التام أصبح من المحتمل القيام بمزيد من التدخل، ولكن ربما عن طريق الدولار لا اليورو، وبعد كل شيء، تتعين الإشارة الى أن المشتري الهامشي للبضائع السويسرية الفاخرة في الوقت االراهن يرجح أن يكون في بكين أو شنغهاي لا في باريس أو فرانكفورت.

خطأ سويسرا إزاء اليورو

 من جهة أخرى يشير ولفرام فيمر في مقال في صحيفة هاندسبلات الألمانية الاقتصادية الى أن سويسرا أخطأت في خطوتها إزاء اليورو، وكان عليها تبنيه؛ لأنها في تلك الحالة لن تكون مضطرة الى شراء اليورو لثلاث سنوات من أجل الحفاظ على مستوى تنافسيتها في التصدير، وكان في وسعها، ببساطة، تحقيق فائض تجاري ضخم مع دول أخرى في منطقة اليورو، تماماً مثل ألمانيا.

وتكمن المشكلة في تلك المجادلة في أن ألمانيا تكافح في الوقت الراهن مع دخول منطقة اليورو برمتها في حالة انكماش اقتصادي، في حين حافظت سويسرا، من جهة أخرى، على قدرتها على المناورة بغض النظر عما تقوله الأوساط التي تضررت من القرار الذي اتخذته سويسرا بشأن فك ارتباط الفرنك باليورو وتأثير ذلك على صدقيتها.

ومع ارتفاع قيمة الدولار بعد انتهاء برنامج التيسير الكمي في الولايات المتحدة، وفي ضوء التوقعات بحدوث ارتفاع في معدلات الفائدة في وقت لاحق من هذه السنة تصبح عملية البيع الى الولايات المتحدة والى غيرها من الدول التي تعتمد الدولار في أسواقها أكثر سهولة وأشد جاذبية بالنسبة الى المصدرين في كل مكان، وليس في سويسرا فقط. كما أن الهند واليابان ومنطقة اليورو برمتها تسعى الى الحصول على حصة في عملية النمو المتجدد في الولايات المتحدة، ومن أجل وضع هذه الحالة في إطار حرب العملات نقول إن المعركة انتقلت الى جبهة الولايات المتحدة.

* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky