جاءت مبادرة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز طوق نجاة لحل الخلافات الدائرة بين جمهورية مصر العربية ودولة قطر من جهة، وبين مملكة البحرين والمملكة السعودية ودولة الإمارات وقطر من جهة أخرى.

Ad

 فهذا الخلاف الذي طال وامتد بات يمثل خطراً كبيراً على هذه الدول في هذا الوضع الملتهب الخطير الذي مزق وفتت بعض الدول العربية تحت شعار الربيع العربي، ودمر وحدة صفّها بسماحه بدخول مثل هذه المنظمات الإرهابية التي باتت تهدد بتقويض وتدمير الدول العربية والخليجية والعصف بكياناتها، ما لم تتدارك نفسها وتنبذ كل خلافاتها وتوحد جهودها لمواجهة المخاطر التي تكاد تلتهمها.

لذا جاءت مبادرة الملك عبدالله في وقت باتت فيه أوضاع كل الأمة العربية في أمسّ الحاجة إلى وضع إطار شامل يعمل على تقارب وتقبّل وجهات النظر المختلفة، لمواجهة كل المتغيرات المهددة للأمن العربي والخليجي التي حدثت والتي ستحدث في القريب العاجل، وباتت تنذر وتهز مستقبل هذه البلاد.

 وأصبح من الضروري وضع خطة واعية منتبهة ومنبهة لتوحيد ولمّ شمل الإخوة في معاهدة صلح موثقة في مواثيق توحد صفوفهم، وتوفر لهم مناخا عربيا إسلاميا يعي حجم المشكلة ومدى خطورة الانقسامات والتشرذم، الذي تمزقت بسببه بعض البلاد العربية تحت مسمى "الربيع العربي".

وهذه المبادرة كان يجب أن تأتي مبكرة عن وقتها هذا، حتى لا تصل الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم، ومع هذا خير أنها جاءت ولو بعد حين من ألا تجيء أبدا، فحل الخلافات خطوة إيجابية لوقف هذا التمزق والتفتت في البدن العربي، وإن لم يُتدارك فسيصل حتما إلى الخليجي.

هذا الاتفاق سيوحد كلمة العرب ومواقفهم ويعيد الهيبة والقيمة للأمة العربية، ويمنح المواطن الشعور بالأمن والاستقرار والثقة والاحترام لكينونته العربية.

آن لهذه الأمة أن تستفيق وتلحق بنفسها قبل فوات الأوان، وأن تأخذ في تطبيق مبادرة خادم الحرمين بنية صادقة مدركة خطورة الوضع، ومتخلية عن النعرات والأنانيات الفردية، متولية بصدق حماية شعوبها التي حُملت أمانتها والمحافظة عليها وعلى استقرار أمنها.

 فقد حان الوقت للمّ شمل العرب في مصالحة تقيهم وتقي شعوبهم كل شرور الأطماع المحيطة بهم، سواء كانت من الخارج أو من الداخل، الكائن في هذه الفتن المتمثلة في اشتعال النعرات الطائفية والدينية والقبلية التي لم يكن لها وجود قبل هذا الوقت، والتي تُحرك وتدار من الخارج لمصالح دول وجماعات تريد تنفيذ مخططاتها المرسومة.

والحمد لله أنه كان هناك تجاوب سريع لمبادرة الملك عبدالله، وخاصة من مصر التي استجاب فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي لقبول الصلح مع قطر ومحاولات حل الخلافات الدائرة بينهما، ولبيان حسن النية قرر النظر في  أمر إطلاق سراح صحافيي قناة الجزيرة المسجونين لدى مصر بسبب ما عرضته القناة من أكاذيب ووقائع ملفقة بحق مصر.

ولعل الجانب الكبير المتمثل في رقع هذه الخلافات يقع على عاتق الإعلام العربي، وخاصة الإعلام المصري المتمثل في قنوات تلفزيونية ومقدمي برامج بعينهم، وبعض الكتّاب الذين هم صالحون لكل عصر ولكل "أذان"، ومن الجانب القطري يكفي فقط أن تغيّر قناة الجزيرة من حملات التأجيج والحروب الهجومية الكلامية حتى تصدق النوايا.

يجب على كل الكتّاب والمفكرين والإعلاميين ومالكي القنوات الفضائية الخاصة، نبذ كل خلافات تضارب المصالح والأيديولوجيات التي ستدمر وحدة الصف، وبالتالي أمتنا العربية ولو لفترة زمنية مؤقتة، يُشد فيها الحزام على كل لسان حتى ينجلي هذا الزمن الصعب وتعبر البلاد العربية هذه المحن والمؤامرات المحيطة بها من كل صوب، ويقف جملنا على قدميه بعد أن كثُرت سكاكينه؟

فهل الإعلام وأهله وكل حامل قلم قادرون على نبذ كل خلافاتهم والتنازل عن مصالحهم وقفل كل أبواب الخروقات والاستفزازات والتجاوز عن كل الصغائر وخراب الذمم، والتضحية بالمصالح الخاصة من أجل المصلحة العامة التي إن خربت، خرب معها كل شيء وضاعت الأوطان والأمان والإنسان؟

وهل لنا أن نحلم بهدف يجمعنا حتى يُبقينا ضد المحو والاندثار، ولا أقول وحدة عربية، لأن هذا الحلم ليس إلا خرافة أسطورية؟!