إذا صمدت خطوة «لملمة» الوضع الخليجي، والمفترض أنها ستصمد، ويجب أن تصمد، لأنها جاءت كإنجاز صعب لجهود خيّرة يمكن القول إنها اجترحت المعجزات، فإن المتوقع أن تنعكس إيجابياً على العديد من الأزمات العربية الملتهبة، وأولها الأزمة السورية المتفاقمة، والتي تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم، ثم بعد ذلك الأزمة الليبية، والأزمة اللبنانية، والأزمة الفلسطينية، والأزمة اليمنية، والأزمة العراقية، والأزمة المصرية، إذا اعتبرنا أن العنف، الذي يقف خلفه الإخوان المسلمون بدعم تركيا «الأردوغانية» وبعض دول الإقليم الأخرى، عنفاً بكل معنى الكلمة.

Ad

 لم يصل الوضع العربي إلى كل هذا التردي والتشتت و»التّبعْثُر» حتى في مرحلة صراع المعسكرات في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ولهذا فإن خطوة «لملمة» الوضع الخليجي جاءت عملية إنقاذ فعلية في لحظة ما قبل الانهيار النهائي، ولهذا أيضاً، إن صمدت هذه الخطوة - وهي يجب أن تصمد - فإنها ستعزز الأمل بإمكان انتشال الوضع العربي من هذه الحالة المأساوية التي وصل إليها، وحيث أصبح انعقاد قمة عربية - ولو من أجل الانعقاد فقط - من سابع المستحيلات، وأمنية بعيدة المنال من الصعب تحقيقها!

 كان خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فور إنجاز خطوة إعادة التماسك للوضع الخليجي قد التفت إلى هذه الأوضاع العربية المزرية، التي تشكل همّاً رئيسياً له ولعدد من القادة العرب الخيّرين، ونادى بضرورة استعادة التضامن العربي الذي بالإمكان القول إنه غاب غياباً طويلاً منذ احتلال الكويت في بدايات تسعينيات القرن الماضي، ومنذ إلحاق سورية بالمشروع التمددي الإيراني في هذه المنطقة، ومنذ استفحال ظاهرة صِدام المحاور بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

 إنها مسألة غاية في التعقيد، وفي مُنتهى الصعوبة أن نتصور - حتى مجرد تصور - أنه بإمكان العرب أن يتجاوزوا خلافاتهم المستفحلة، وأن يستعيدوا تضامنهم المفقود في ظل هذه الظروف التي تعيشها منطقتنا الشرق أوسطية.

 لكن المعروف - كما قال الزعيم الصيني ماوتسي تونغ، الذي كان أحد رموز القرن العشرين فعلاً - أن طريق الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ويقيناً أنه من الممكن أن تكون هذه الخطوة هي ما تم إنجازه في المجال الخليجي، بحيث يجري البناء عليه لتوسيع الدائرة والانتقال إلى المجال العربي الأرحب.

     إنه لابد من الحفر في الصخر بالأظافر لإيجاد موطئ للخطوة التالية، بعد خطوة «لملمة» الوضع الخليجي، فهناك الأزمة السورية التي من المستحيل حلّها إلاّ برحيل هذا النظام الذي تمادى كثيراً في ذبح شعب لم يعد شعبه، والذي وضع البلاد على مفترق طرق خطير.

 وهناك الاحتلال الإيراني للعراق الذي لايزال مستمراً وكما كان، حتى بعد إزاحة نوري المالكي، وهناك «المسألة» اللبنانية و»المسألة» الليبية و»المسألة» اليمنية، وأيضاً هناك «المسألة» الفلسطينية، وهناك «المسألة» المصرية، حيث يصر الإخوان المسلمون، بدعم من قوى إقليمية ودول عربية، على تدمير مصر بحجّة استعادة نظام محمد مرسي الذي هو نظامهم، والذي كان يجب أن يسقط، لأن عدم سقوطه يعني سقوط أرض الكنانة، هذا البلد الذي من دونه لا عرب هناك ولا عروبة.