نحن القلة القليلة ربما، المارقة من هذا المزاج الاجتماعي العام المتصالح مع الإحباط والعدم، هل نحن آثمون؟!

Ad

هل نعيش عالماً خاصاً معزولاً عن العالم الواقعي؟!

عالم افتراضي كذاك العالم الذي شيّدته وسائل الاتصال الحديثة إلا أنه مؤثث بالكامل من سوق الخيال الجميل؟!

هل نحن واهمون؟! حالمون؟! مخدّرون؟! غائبون عن الوعي بما يدور حولنا؟! هل نحاول تزييف الواقع عن سوء قصد؟!

هل نطلق العصافير المفخخة بالغناء بنيّة التستر على صوت طلقات الرصاص التي لا تفرّق بين ساكن ومتحرّك على الأرض أو في الفضاء؟!

هل ثمة ذنب نقترفه ونحن نحاول طلاء جزءٍ من وجه السماء الرمادي بما تيسّر من قوس قزح؟!

هل نرتكب جريمة بشعة بحق الآخرين عندما نفك بعض أزرّة قميص الليل لترتّل النجوم ما سال من نورها لتصغي أبصارنا ونطرب؟!

نحن المغرّدون خارج سرب الأسى العام، هل نعاني خللاً ذهنياً أو نفسياً ما فينا؟!

محاصرون كغيرنا بصور مرعبة لرؤوس اجتثّت من أجسادها، وعربات مجنزرة تدوس أنفاس الزهور، ودماء غزيرة خاثرة في دور العبادة، وأطفال يجيدون حمل الكلاشنكوف أكثر من إجادتهم لقراءة الحروف، وشهداء بلا إيمان، وضحايا بلا قضية، وثكالى، وأرامل، ورائحة جثث لم تدفن، ونحن في غيّنا نمجّد الحياة!

لا ملجأ لنا كغيرنا ولا ملاذ من أسلوب عيش قاهر، وبائس، وربما مهين، بتفاصيل لا تراعي آدميتنا، على أيدي بشر آخرين من جنسنا، ونحتفي بما يبدع البشر ولو على شكل سجادة يدوية الصنع!

يدمي قلوبنا كغيرنا أننا غير مطمئنين لغد أطفالنا، ليس لعلة عصية في الحاضر فقط، وإنما أيضاً لأن الطفولة شُوهت في حياة أطفالنا، ونكاد نطير من الفرح إن هم أتونا بشهادات التقدير من مدارسهم التي توزّع عليهم الكتب الصفراء مجاناً!

محاطون كغيرنا بالكراهية من حولنا، والمنتشرة بين الغالبية كعدوى الزكام، ونصيغ مدائح للحب من خلف الجدار!

حفاة نمشي بين حقول الشوك التي قليلاً ما تخطئ أقدامنا، ونحرص على ألا تسقط من بين أيدينا غيمة نحملها علّنا نجد مصادفة وردةً في الطريق نسقيها فنكسب أجر عطرها!  

تضيق أنفاسنا بكمامات السلطات بكل أشكالها السياسية والدينية والاجتماعية، ونكيل الثناء لنسمة صبا مرّت بنا عن غير قصد!

مخنوقون كغيرنا بما فاض من دمع له طعم الكبريت، ونغني ابتسامة لا تُرى تحت الرماد!

مثخنة أرواحنا كغيرنا بالجراح، ونرتق شقوق الروح بضماد البشائر الصغيرة!

نرى ما في الحياة من بؤس مثلهم، وما بها من بشاعة وقبح، ونحزن مثلما يحزنون، ونشقى مثلما يشقون، ونأسى، ونحبط، ونكاد ننهار أحياناً كما يفعلون، إلا أننا لا نغفل عما في الحياة من فرح، ونبتهج بالمتع التي يدسّها الحظ في أيدينا ولا نستصغر قيمتها وإن كانت بسيطة، لأننا لها أحوج!

كثيراً ما تساءلت: ما جدوى ما أكتبه عن محبة الحياة والجمال فيها، بخلاف أن هذا ما أؤمن به؟!

وكانت إجابتي لعل هناك شخصا يغرد خارج السرب، يعاني الوحشة في محيط عام مدجج بأناسٍ قانطين، محصنة أرواحهم بالتعاويذ الطاردة للحياة، يقرأ ما أكتب فلا يشعر بالوحدة لأن هناك من يشاركه ذات الإيمان بأن: "على الأرض ما يستحق الحياة" كما قال درويش!