فور إعلان إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، برئاسة الناقد سمير فريد، عن تكريم الفنانة نادية لطفي في الدورة السادسة والثلاثين (9 ـ 18 نوفمبر 2014)، تساءل البعض عن سبب تكريمها من جديد بعدما كُرمت سابقاً. وهو تساؤل ليس له، في رأيي، مبرر، لأن نادية لطفي تستحق التكريم كل يوم ليس فقط لأنها واحدة من نجمات العصر الذهبي للسينما المصرية، بل لأنها ضربت أروع الأمثلة لعشق الفن، والتمرد على النجومية، والتفاني من أجل خدمة الوطن، وتوظيف جماهيريتها لمناصرة قضايا الأمة العربية.

Ad

عرفت نادية لطفي عرفت الخدمة العامة إبان العدوان الثلاثي على مصر 1956، وبعد 10 سنوات من احترافها التمثيل، أخذت على عاتقها مسؤولية تنظيم رحلات لزملائها الفنانين إلى جبهة القتال لمؤازرة الجنود، أثناء حربي الاستنزاف 1969 وأكتوبر 1973، وهي أيضاً التي تقدمت الصفوف، وكانت أول من استقل السفينة التي اتجهت في العام 1982 من الإسكندرية إلى بيروت، عقب اجتياحها بواسطة الإسرائيليين، وأعلنت انضمامها إلى قوات المقاومة الفلسطينية المحاصرة، وعلى رأسها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وأمضت أسبوعين في صفوف المقاومة، تعرضت للموت خلالهما أكثر من مرة. ولما تذكرت هواية التصوير التي أحبتها قديماً لم تتردد في الإمساك بالكاميرا، وصورت ما يقرب من 25 شريط فيديو لوقائع عاشتها أثناء الحصار، وقدمتها لمحطات التلفزيون الدولية. وكان لها الفضل في تعريف العالم بحقيقة السفاح آرييل شارون، وبشاعة المذابح التي ارتكبها الصهاينة في لبنان.

 من أجل هذا لم يتردد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في اتخاذ قرار تكريمها، وفاجأ الجميع عندما زارها في منزلها، وأهداها الكوفية الفلسطينية الخاصة به، ليس فقط بسبب مناصرتها القضية الفلسطينية، وإنما تقديراً لمواقفها العروبية، التي لم تنشغل عنها، بل منحتها الأولوية. ففي الكثير من الأحيان كانت تتوارى عن الأنظار، وتعتزل التمثيل، لتواصل أداء دورها الوطني، وتتفرغ لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى. حتى إنها جابت القرى والنجوع في مصر لتجمع شهادات الأسرى المصريين في حربي 1956 و1967، وصورت 40 ساعة ما زالت تحتفظ بها في مكتبتها الخاصة من دون أن تتحرك جهة في مصر لاستثمار هذه الثروة المرئية النادرة في إنتاج فيلم وثائقي يرد على الفيلم الإسرائيلي «روح شاكيد»، الذي يتباهى بأن وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي، قادها بنيامين بن إليعازر، قتلت، بعد انتهاء حرب يونيو 67، 250 أسيراً مصرياً، إضافة إلى التمثيل بجثثهم ودفن بعضهم أحياء في صحراء سيناء!

  يُشير بعض المراجع إلى أن نادية لطفي اعتزلت التمثيل بعد مشاركتها في بطولة فيلم «منزل العائلة المسمومة» (1986)، لكن الحقيقة المؤكدة أنها توارت بعيداً عن الساحة بعد مشاركتها في بطولة فيلم «الأب الشرعي» (1988)، رورغم تأكيدها أنها اعتزلت الفن، فإنها لا تعيش في عزلة، وما زالت تتواصل مع ما يجري على الساحة الفنية، وتبذل كل ما في وسعها لمساعدة الفنانين الذين يتساقطون بسبب المرض. لكنها ترى أن عودتها إلى ممارسة التمثيل من سابع المستحيلات، وربما لهذا السبب فشل المخرج شريف عرفة في إقناعها بالعودة والمشاركة في فيلم «أبناء العم» (2012)، وأكبر الظن أنها كانت مرشحة لتجسيد دور أم الجاسوس الإسرائيلي (شريف منير) الذي أدته الممثلة اللبنانية إيمان أو ليز سركسيان.

المفارقة أن نادية لطفي بدأت مسيرتها في العام 1958، وهو العام نفسه الذي شهد الميلاد الفني لرفيقتها سعاد حسني، التي قيل إن نادية، التي جمعت بين الجمال المصري والجمال الأوروبي، حسب تعبير الكاتب الكبير أنيس منصور، كانت الوحيدة التي نافستها على الفوز بالقمة في مرحلة الستينيات، ومثلما كان دورها في فيلم «الخطايا» أمام عبد الحليم حافظ بمثابة نقطة فارقة في مسيرتها فإن الأمر المؤكد أنها قدمت مجموعة من أهم الأفلام، مثل: «النظارة السوداء»، «بين القصرين»، «قاع المدينة»، «جريمة في الحي الهادئ» و»الإخوة الأعداء». وضمت قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية ستة أفلام شاركت في بطولتها هي: «الخطايا» (1962) إخراج حسن الإمام، «الناصر صلاح الدين» (1963) إخراج يوسف شاهين، «المستحيل» (1965) إخراج حسين كمال، «السمان والخريف» (1967) إخراج حسام الدين مصطفى، «أبي فوق الشجرة» (1969) إخراج حسين كمال و»المومياء» (1969) إخراج شادي عبد السلام. كذلك عملت تحت قيادة المخرجين الكبار: عاطف سالم، حسن الإمام، يوسف شاهين، حسام الدين مصطفى وشادي عبد السلام إلا أنها تعاونت مع جيل المخرجين الجدد والمجددين في السينما المصرية، وأبرزهم: حسين كمال (المستحيل)، أشرف فهمي (رحلة داخل امرأة) محمد راضي (الحاجز) وخيري بشارة (الأقدار الدامية)، وبلغ رصيدها الفني نحو 75 فيلماً سينمائياً على مدار 30 عاماً.