يتبقى للكاتب العظيم أعمال خالدة كثيرة، برأي الروائي عبدالوهاب الأسواني، فمحفوظ استثناء عالمي لا يقل عن أي كاتب عالمي مرموق، ممن وصلنا إنتاجهم، يقول: «رواياته جميلة ومتميزة باستثناء ثلاثة أو أربعة أعمال كتبها في فترة 1967، آنذاك كان واقعاً تحت وطأة إحباط النكسة والهزيمة، وكان يشعر بالخزي والعار، وهو اعترف شخصياً بذلك»، موضحاً أنه عندما تتم مقارنته بالروائيين الكبار فسيكون الأجدر، سواء من ناحية الصياغة أو التشكيل الفني أو العمق الفكري.

Ad

يتهم الأسواني الترجمة بأنها السبب في تأخر شهرة نجيب محفوظ  عالمياً وعدم التعريف بأعماله خارجياً، ويضيف:{هذه مشكلة كبيرة واجهت محفوظ وما زالت تواجهنا نحن كعرب، فالأوروبيون منفتحون على بعضهم البعض، والأديب الروسي، قبل أن ينتهي من كتابة عمله الأدبي يُترجم إلى الفرنسية والإنكليزية وغيرهما، كذلك الأدباء الأسبان وأبناء الأميركتين.  بالنسبة إلى الغرب نعتبر متخلفين، فنحن محسوبون على إفريقيا التي لا تنتهي فيها الحروب الأهلية، وعلى الدول العربية التي تسيطر عليها قلاقل سياسية، وقد دفع  كاتبنا الكبير ثمن كل هذه الأحداث}.

يعتبر الأسواني أن محفوظ ظلم في جائزة نوبل أيضاً، فقد كان يستحقها قبل الحصول عليها بفترة طويلة، لكن عائق اللغة أخر وصوله إليها، يتابع: {المسؤولون عن تحكيم الجائزة العالمية خصصوا لجنة لكل لغة، على سبيل المثال، الأعمال المكتوبة بالإنكليزية مسؤولية أشخاص يتولون  مهمة قراءتها ومتابعتها جيداً، وكذلك الفرنسية أو الألمانية والأسبانية، لكن للأسف لا توجد لجنة مسؤولة عن لغتنا العربية.  ثمة أشخاص معجبون بإبداع محفوظ نبهوا القيمين على جائزة نوبل أن ثمة شخصاً مصرياً يستحقها وبمجرد متابعتهم له ولإبداعاته حصل على الجائزة فوراً.}

ألف عام

أرسل الناقد الأدبي عبدالمنعم تليمة لنجيب محفوظ، في أحد أعياد ميلاده، برقية كتب عليها:{عش حبيبي ألف عام»، ما يعني أن أعماله وسيرته ستظل آلاف السنين، مؤكداً أن محفوظ سيبقى ما دامت اللغة العربية موجودة، واللغة العربية ستظل حتى تقوم الساعة.

يضيف:  «وضع هذا الكاتب الكبير في اللغة العربية فن الرواية، فهو إمامها الأكبر الذي خلط الفكر الفلسفي بالرواية العربية، وكتب لنا «أولاد حارتنا» أي البشر على كوكب الأرض،  ثم كتب، بوجهة نظر، أن الإنسان متحرك في مجتمع جامد، فأنتج لنا «اللص والكلاب»، ثم الإنسان جامد في مجتمع متحرك، مثلما قرأنا في رواية «السمان والخريف»، ثم الإنسان باحث عن مغزى الوجود كما في «الشحاذ»».

يتابع: {ظل محفوظ يكتب حتى لقي ربه وهو يبدع، وستظل أعماله خالدة لأنه كان مهموماً ببلده، فقد حول التاريخ الفرعوني إلى روايات، مثل {عبث الأقدار} و{رادوبيس} و{كفاح طيبة}، وذلك بدءًا من عام 1939 إلى 1944، وهذه السابقة لم يكررها كثير من الروائيين المصريين، ثم كتب عن مصر الحديثة في {القاهرة الجديدة} و{السراب} و{زقاق المدق} والثلاثية {بين القصرين وقصر الشوق والسكرية} التي انتهى من كتابتها قبل ثورة يوليو بثلاثة أشهر لكنها نشرت عام 1959}.

نضج وتألق

يوضح الأديب بهاء جاهين أن ما تبقى لنجيب محفوظ يكفي عشرات المبدعين كي يتفاخروا به، «يكفيه «زقاق المدق» أو «القاهرة الجديدة» في مراحله الإبداعية الأولى، ثم كتب الثلاثية ولا ننسى أيضاً «اللص والكلاب» و{الطريق»، أما السبعينيات والثمانينيات، فهي أهم مراحله التي نضج فيها ووصل إلى أوج تألقه وكتب «الحرافيش» و{ليالى ألف ليلة»}.

يضيف أن محفوظ اعترف له شخصياً بأن {الحرافيش} هو إعادة كتابة لـ{أولاد حارتنا}،  فرغم أن {الحرافيش} عمل روائي مستقل بذاته، إلا أن روح العملين واحدة، لكن الرؤية مختلفة في الروايتين، مؤكداً أن بصماته السينمائية كبيرة، فهو أول أديب عربي يكتب للسينما مباشرة، فأضفى على الكتابة السينمائية كرامة تفتقدها.

يضيف: {كان نجيب مهموماً بقضايا بلده السياسية من خلال حبكات درامية وروائية شديدة الدقة والليونة، وعبر شخصيات ثرية يواجه من خلالها الأنظمة الحكومية الفاسدة والمتغطرسة، لذلك سيبقى دائماً بيننا بتفكيره وهمومه التي كان يحملها على ظهره، لقد كان مشغولاً بالأرض وبالتاريخ السياسي، ونال شهرة واسعة لم يسبقه إليها كاتب عربي فيكفيه جائزة نوبل}.

كفاح وتجاهل

يشير الروائي يوسف القعيد إلى أن ما تبقى من نجيب محفوظ دأبه وكفاحه واعتماده على نفسه وقلمه في الوصول إلى أكبر الجوائز العالمية، فهي النوبل الأولى للأدب العربي، {لم يكن لنجيب محفوظ {شلة} يستند إليها أو حزب سياسي يدعمه أو ثمة أحد يدفع به في المحافل الأدبية الكبيرة، فظل منذ 1934 وحتى 2006 يحفر في الصخر منصرفاً إلى عمله الأساسي، وهو كتابة النص الروائي والمسرحي والقصة القصيرة، ليثبت للمجتمع جدوى الكتابة في بيئة ومناخ لا يهتمان بالكتابة أو بالإبداع.

يضيف أن الكاتب الراحل أخذ حقه أدبياً وإعلامياً ومعنوياً في الفترة بين 1988 وحتى رحيله بشكل لم يتوقعه هو شخصياً،  رغم تجاهله وإنكاره في بداياته، مثلما يحدث مع أي مبدع آخر، مبدياً تخوفه من نسيانه في السنوات المقبلة لقلة الاهتمام بأعماله. {تخلو المكتبات وأماكن بيع الكتب من بعض أعماله المهمة، وهذا مؤشر خطير، فالأجيال المقبلة  لن تعرفه بهذه الطريقة، والذاكرة ملعونة وتنظر إلى الماضي بغضب، ثم لا توجد أي دراسة لقياس مدى الإقبال على قراءة أعماله أو جغرافيا بيع كتبه، لذلك أشعر بأن الاهتمام به يتراجع وهذه مسؤولية النخبة ووزارة الثقافة والحكومة عموماً}.