القرارات المصيرية، يفترض أن تتخذ تحت ظروف ملائمة، وعندما لا تكون القرارات مستعجلة فينبغي دراستها من قبل الأجهزة المختصة والخبراء، ويفضل أن تشرك مراكز البحوث والدراسات - الخاصة أو العامة -  في الحالات التي لاتتطلب كتماناً شديداً.

Ad

وقد اتخذ بول بريمر بوصفه رئيساً لسلطة الائتلاف قرارات ظهر أنها لم تُدرس من قبل الجهات الأكثر اختصاصاً خارج نطاق القوات المسلحة. وتبين أن المخابرات المركزية الأميركية لم تكن على علم مسبق بقراري اجتثاث البعث، وحل الجيش العراقي والكيانات المرتبطة بالأمن الوطني، وذلك وفقاً لتصريح لجورج تنيت رئيس المخابرات، الذي كشف عن عدم علمه المسبق بالقرارين ومعارضته الشديدة لهما.

وكان مفترضاً أن تشترك المخابرات بكل فروعها في قرارات مهمة كهذه، ولايجوز أن تتخذ وفقاً لقرارات فردية حتى على مستوى رئيس الدولة.

وهناك من يظن أن قرار الاجتثاث يمثل توجهاً شيعياً، وهو تصور يتعمد اختزال جزء من المواقف. فمعظم القوى السنية المشاركة في العملية السياسية كانت طيلة الفترة الماضية مؤيدة للاجتثاث، لأن مشاركة البعثيين في الانتخابات - بأي شكل وواجهة - تهدد حصص هذه القوى في البرلمان بشكل خاص، وتمنعها من الوصول إلى البرلمان أو تؤدي إلى تحجيمها وتصغير وجودها وتأثيرها، فضلا عن أن الإسلاميين السنة يشعرون بعداء تقليدي شديد للبعثيين أكثر من كثيرين من الشيعة والكرد لسبب انتخابي، ولا يزالون يعارضون دخول المشمولين بالاجتثاث في تشكيلات الحرس الوطني المقرر تشكيله بموجب الاتفاقات السياسية التي تألفت بموجبها الحكومة الأخيرة، على الرغم من أنهم يحتاجون إلى مغازلة بعض القوى الشبابية شمال بغداد وغربها.

ما قبل السقوط

خلال فترة معارضة النظام السابق، دأبت مراكز دراسات وبحوث أميركية على دراسة ومناقشة خيارات التعامل مع الجيش العراقي في حال إسقاط النظام، ووجهوا أسئلة كثيرة عن ذلك إلى عدد من المعارضين العراقيين عموماً والعسكريين تحديداً، وكان التركيز منصباً على أن أي قرار بإلغاء الجيش سيلقي بمئات آلاف العسكريين إلى ساحة البطالة، فيتولد ضغط يؤثر على الوضع الاجتماعي والأمني. وليس معلوماً إذا ما أخذت وزارة الدفاع الأميركية برأي هذه المراكز، أو إذا ما كانت هي التي كلفتها بالاستطلاع والبحث. وإن إنكار رئيس وكالة المخابرات المركزية علمه بقراري الاجتثاث وحل الجيش، لايعني عدم علم وكالة استخبارات الدفاع المرتبطة بوزارة الدفاع والمختصة بالشؤون العسكرية، فربما تكون على علم بقرار حل الجيش والكيانات القريبة إليه من حرس جمهوري وحرس خاص وفدائيي صدام، بحكم الاختصاص العسكري، لأنها المعنية بتأمين المعلومات العسكرية والأمنية للتشكيلات القتالية التي ستكلف بمهمات في العراق بحدود مسؤولية أكثر تركيزاً من وكالة المخابرات الأميركية، التي يبقى اهتمامها العسكري محسوباً ضمن اهتمامات أوسع. غير أن بعض الحقائق يبقى غائباً عن الكشف في حالة وقوعها ضمن اختصاصات الاستخبارات العسكرية، التي لا تهتم كثيراً بما يدور من نقاشات علنية حول نقاط ترتبط بفلسفة مواقفها وتصميم سياساتها.

قرار الاجتثاث

يشمل القرار فئات محددة من الدرجات الحزبية ومن جهازي المخابرات والأمن العام وقوات الحرس الخاص وفدائيي صدام، وكثير من هؤلاء أُخذوا بجريرة النظام دون ذنب اقترفوه مما يتطلب إنصافهم. وقد خوِّل رئيس الوزراء وعدد من المسؤولين باستثناء حالات محددة بما يلبي تغطية حاجة القوات المسلحة ومؤسسات الدولة، بإعادة عدد من القيادات وهيئات الركن والاختصاصيين إلى الخدمة، من الذين لا يشكلون تهديداً للنظام الجديد لمصلحة حزب البعث، أو يسعون إلى العمل على تخريب العملية السياسية. وقد ولد قرار الاجتثاث من المعاناة الشديدة التي مر بها الشعب العراقي عموماً وأبناء الجنوب تحديداً من ممارسات وسلوك غير إنساني خلال سنوات حكم صدام حسين، وخلال مرحلة ما بعد غزو الكويت على وجه الخصوص.

إن معاقبة جميع البعثيين لم تكن خياراً، لأن من المستحيل تحقيق هذه الغاية، وبمجرد حساب بسيط يرتفع رقم المتضررين ومن هم على صلة أسرية مباشرة معهم إلى نحو خمس الشعب العراقي. وفي مرحلة المعارضة كان المسؤولون الأميركيون يؤكدون على أن محاسبة النظام ستشمل عدداً قد يصل إلى عشرين مسؤولاً، وبالفعل فإن إصدار قائمة الـ 55 مطلوباً بعد إسقاط النظام حددت الإطار العام للمواقف التي كان البحث يدور عنها.

ويؤخذ على الحكومة العراقية استخدامها صلاحية الاستثناء بطريقة انتقائية، وهي حالة لا تبدو شاذّة وفق المعطيات والظروف التي سادت بعد 2003، وما من شك في أن من حق رئيس الوزراء بوصفه القائد العام للقوات المسلحة التوثّق من اختيار القادة وضباط الركن الملائمين ممن نزعوا ثوب النظام السابق وأفكاره كلياً، وتعيينهم في مواقع تتطلب الخدمة العامة وجودهم فيها، لاسيما أن التوسّع في القوات المسلحة وأجهزة الأمن والاستخبارات بات ضرورياً لمجابهة التهديدات الإرهابية وغيرها، كما أن دوائر الدولة الحساسة وذات الطابع العلمي تتطلب المزيد من الخبرات والكفاءات، وبما أن الانتماء إلى حزب البعث كان شرطاً ملزماً للتعيينات في الوظائف المهمة والحساسة فإن عزل كل هؤلاء من دون تمييز واستثناءات يؤدي إلى استمرار الخلل في إعادة بناء المؤسسات لفترة طويلة، فتتأخر مسيرة النمو والتطور. ومن حق الشريحة الأوسع من المشمولين بالاجتثاث الحصول على حقوقهم التقاعدية، لأن حرمانهم من حقوقهم يضعهم في خانة العداء الصعب للنظام الجديد، كما لايجوز العمل بقواعد العقوبات الجماعية. وطبقاً لإجراءات هيئة المساءلة والعدالة، فإن عدد المحرومين من حقوقهم التقاعدية قد تراجع كثيراً من عشرات الآلاف ممن سبق أن توقفت عنهم حقوقهم.

وحتى الآن، لا يزال الجدال مستمراً حول إلغاء فكرة الاجتثاث أو تحويله إلى حالة قضائية تتعلق بالحالات الجرمية فقط، إلا أن هناك نصوصاً دستورية تجعل الإلغاءات مخالفة صريحة، فتصبح التعديلات مجالاً منطقياً للبحث من أجل الوصول إلى حلول معقولة. وطيلة السنوات التي أعقبت عملية التغيير بقي الحديث عن هذا الموضوع المثير للجدل يدور في دوائر محددة وأطر محكومة بتوجهات تزداد فيها مشتركات مصالح الأحزاب والسياسيين. ويبقى الزمن حلالا للمشكلات، فتتآكل الإجراءات والعقد بمرور السنين، وهذا هو الذي سيحدث مهما زايد السياسيون وتظاهروا بالعطف والانسانية، ومهما ارتفعت الأصوات بالمصالحة السياسية. وفي كل الأحوال فإن البعثيين السابقين موجودون في معظم مؤسسات الدولة، وتبقى مراقبة السلوك شرطاً معقولاً ومنطقياً وشرعياً لضمان التوجهات الصحيحة، حفظاً لمسيرة التغيير المفترضة وتفادي العودة إلى التصدعات السابقة.

حل الكيانات والجيش

حل الكيانات يعني بالمفهوم السائد حل كل أو معظم كيانات ومؤسسات الدولة الحساسة والمراكز السيادية الحقيقية. ويعني قرار كهذا إصابة العصب الحساس للدولة بالشلل، مما يتطلب اتخاذ تدابير مرادفة لتقويم الأوضاع وتصحيحها بسرعة. وإذا أخذ بنظر الاعتبار وجود نحو 700.000 عسكري قبيل شن حرب إسقاط النظام من بينهم نحو 11.000 ضابط برتبة عميد فأعلى، وعشرات الآلاف من الضباط ونواب الضباط وضباط الصف، فإن هؤلاء وجدوا أنفسهم خارج السياقات التي نظمت حياتهم اليومية، وتعرضت أسرهم لمواقف معيشية صعبة، وهذا يخص كل نسيج المجتمع من دون استثناء، عدا الغالبية العظمى من الكرد الذين انحسر وجودهم في القوات المسلحة إلى حد كبير بسبب المفاصلة الواقعية على الأرض. فماذا يعني قرار كهذا وماهي تبعاته؟

* تحويل قوة شبابية كبيرة تعلمت فنون الحرب ومارست القتال إلى خانة العداء للنظام الجديد، وتوزيع مساعدات مالية بطريقة غير نظامية، لايعد علاجاً بقدر ما يؤدي الى انعكاسات نفسية سيئة.

* مساعدة حزب البعث بطريقة مباشرة في جعل طبقة واسعة من الشباب تشعر بأنها جزء منه أو محسوبة عليه على الأقل. فيما كان المفروض عزل هؤلاء كلياً عن مفهوم البعث وتنظيماته بوضع ضوابط مالية فورية، والإبقاء على المؤسسات المالية والإدارية للقوات المسلحة عاملة واستثنائها من قرار حل الكيانات، لأنها لا تشكل تهديدا بأي شكل من أشكال التهديد.

* خلو العراق من أي وجود رسمي مسلح للدولة، فيما كان الشعب غاضباً بالأساس من النظام السابق واعتبر يوم الخلاص منه عرساً وطنياً كبيراً. وبما أن العراق يمر بحالة انتقالية فإن غياب قوى الأمن التقليدية خارج فلسفة أمن النظام كان سبباً في انتشار العنف.

* حل الكيانات أتاح فرصة مثالية لتنظيم القاعدة والقوى الإرهابية الأخرى والجماعات المسلحة لترتيب أعمالهم، والانتشار السريع في مناطق واسعة من العراق، لوجود فراغ أمني شامل وخطير لم تكن قوات التحالف قادرة على سده.

* تسبب القرار في تسيب الحدود وجعلها مفتوحة في ظل غياب الحراسات كليا، وهو ما أدى إلى زيادة وتيرة تدفق الإرهابيين.

* رفع الحصانة الرسمية والحراسة كاملة عن مستودعات الأسلحة والاعتدة ووضعها تحت تصرف من هبّ ودبّ، وتحويل أسواق العراق وبيوت الناس إلى مستودعات ومخازن لبيع الأسلحة والمتفجرات.

* إتاحة حرية التواصل للمنتسبين السابقين بأجهزة المخابرات ضمن المحيط الإقليمي وخارجه، وكذلك الاحتكاك والتواصل مع الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية دون رادع يحول دون ذلك، وهو ما ساعد على تغلغل شبكات التجسس والإرهاب على نطاق واسع، ولا يزال العراق يعاني مخاطر الاختراقات التي أصبح بعضهاً بعيدا عن المحاسبة القانونية.

* تقليص قدرات الأمة في تشكيل قوات ردع للمحافظة على الأمن، وتعطيل قدرات كبيرة كان ممكناً تطهيرها من الأفكار الصدامية بقرارات واقعية وممارسات إنسانية.

قصة الدمج

بموجب قرار سلطة الائتلاف الرقم 91 لسنة 2004 تقرر دمج ما سماها القرار الميليشيات التابعة للكيانات التالية في القوات المسلحة: منظمة بدر. حزب الله فرع العراق. الحزب الشيوعي العراقي. حزب الدعوة. المؤتمر الوطني العراقي. حركة الوفاق الوطني. الحزب الإسلامي العراقي. وقد اتُخذ القرار تكريماً للجماعات والأحزاب التي عملت ضد النظام السابق، ولتعزيز دور القوات المسلحة التي كانت تعاني صعوبات التطوع بسبب الإرهاب ولتسريع تشكيل القوات المسلحة، ولمنع عودة تسلط البعثيين. ولم يكن القرار مستغرباً في ضوء المعطيات الصعبة، ولتدارك الآثار السلبية التي ترتبت على إلغاء الجيش وحصول فراغ أمني كبير. وعلى الرغم من الإشكالات، فلولا هذا القرار لأصبح من الصعب جداً تكوين وبناء تشكيلات قتالية في تلك المرحلة المعقدة.

ولم يكن هذا القرار الأول في تاريخ الجيش العراقي، فبعد سيطرة حزب البعث على الحكم في العراق عام 1968، ولغرض تحجيم نفوذ القوى الناصرية والعارفية في الجيش، تقرر إحالة الكثير من ضباط الجيش إلى التقاعد دون أي ضمانات تقاعدية، بسبب عدم كفاية سنوات خدمتهم، وزج بهم في السجون بلا ذنب، والتعويض عنهم بالحاق أكثر من ألف شخص من البعثيين ممن لم يحصلوا على شهادة الدراسة الثانوية، بدورات قصيرة، ومنحهم رتبة (نائب ضابط تلميذ حربي)، وتعيينهم بمناصب في وحدات الجيش بدل الضباط من خريجي الكلية العسكرية، وترقيتهم إلى رتبة ملازم بعد فترة وجيزة، ومواصلة ترقيتهم إلى درجات عليا. ثم صدور قرار آخر خلال الحرب العراقية - الإيرانية بمنح مئات نواب الضباط الكتبة رتبة ملازم في الجيش ومواصلة ترقيتهم. لذلك، فإن فكرة تعزيز القوات المسلحة بعد 2003 لم تكن حالة وحيدة لاسابق لها، مع أنها خطوة شرعية مناسبة اقتضتها الضرورات القصوى لمجابهة أعتى موجات الإرهاب. والذين التحقوا بالجيش والشرطة في فترة ما بعد 2003 المعقدة والخطيرة يستحقون الثناء، وليس العكس.

إن المبالغة في القصص عن الدمج بعد حدوث حرب الدواعش وسقوط مدن عراقية عدة، لا يستند إلى معطيات واقعية، ففي فترة ما بعد سقوط النظام ووقوع مدن كاملة تحت سيطرة القاعدة، وانتشار العنف في مناطق واسعة، أصبح الانخراط في الجيش ومؤسسات الدولة الأمنية يعرض المعنيين وذويهم إلى مخاطر الاستهداف، وجاء قرار إشراك التنظيمات المسلحة للحركات السياسية في القوات المسلحة لكسر مشروع الإرهاب الذي حاول منع إعادة بناء القوات المسلحة، ويفترض توجيه الشكر إلى كل من أسهم في كسر إرادة الإرهابيين ومن والاهم وساندهم، وفي المقدمة ممن يستحقون الشكر هم أولئك الذين تحدوا الظروف المعقدة والتحقوا بقوى الأمن. وكان مفترضاً إعادة تأهيل من لم تساعده الظروف السابقة الصعبة علمياً وعسكريا ًبموجب قواعد التدريب والتعليم في الجيوش المتقدمة وليس أن توجه سهام النقد إليهم. وكثير من العسكريين ممن تدرجوا في الخدمة وحملوا رتباً كبيرة بقيت إمكاناتهم محدودة وكفاءاتهم دون المستويات المفترضة، لذلك، لا يجوز إطلاق توصيفات النقد العمياء دون تمييز، وإن مسؤولين كباراً في العملية السياسية ومؤسسات الدولة وإقليم كردستان لم يحصلوا على التأهيل العلمي، ولم يحصل بعضهم على شهادة الدراسة المتوسطة.

أبرز المطالبين بحل الجيش

في 2004 تم اختيار الشيخ غازي الياور رئيساً للجمهورية، ومع أنه من عائلة محترمة كبيرة تزعمت قبيلة شمر العريقة المنتشرة بشكل أساسي على الحدود السورية – العراقية غرب محافظة نينوى، فلم يكن له دور يذكر خلال مرحلة معارضة النظام الصدامي، ويبدو أن اختياره اتُخذ محاكاة ودية لدول خليجية تحفّظت على طريقة التغيير في العراق. وفي تلك الفترة ذهبت لزيارته في مقره الرئاسي ضمن المنطقة الخضراء ببغداد. ودار حديث ودي منفرد استغرق نحو ساعة، وكان الرجل صريحاً للغاية وودياً ومتوازناً طيلة اللقاء. وقال عبارة قوية وشجاعة في وقت كان غيره يشعر بالحاجة إلى الدعم الكردي. ففي معرض الحديث عن حلّ الجيش والجهود المبذولة لإعادة بناء القوات المسلحة قال نصاً: «مادام مسعود البارزاني موجوداً فلن يكون لنا جيش قوي»، وكان مصيباً في تصوره لجهود البارزاني في وضع العراقيل على طريق إعادة بناء القوات المسلحة، وهو ما تأكد لاحقاً في سلسلة محاولات الاستهداف المباشر من قبل رئاسة الإقليم لكبار القادة وعرقلة مشاريع تسليح الجيش، ومحاولة إعاقة تسلم العراق طائرات الـF16 الأميركية، وفرض رئيس أركان الجيش من حزبه منذ 11 عاماً، على الرغم من أنه لا يمتلك المؤهلات العسكرية لقيادة الأركان. وبقيت تلويحات البارزاني مستمرة للحكم المدني بول بريمر بالانفصال، إلى حد قال له أنه يكره بغداد ويكره الوجود فيها، طبقاً لما ورد في مذكراته. ومع أن البارزاني أظهر عدم ارتياحه لبريمر، فإنهما يحملان تقارباً في بعض توجهاتهما، وفقاً لمعطيات السلوك السياسي العام. وكان واضحا أن مسعود قد تدخل كثيراً بطريقة وأخرى في قصة محاكمات النظام السابق حول القضايا المتعلقة بالشأن الكردي، وحاولنا تنبيه الحكومة المركزية إلى الأهداف الخفية للبارزاني في توجهه هذا ومن ضمنه الجانب المعنوي للقوات المسلحة، لكن الحكومة لم تظهر إدراكاً لهذا الجانب في تلك المرحلة المعقدة من تاريخ العراق.

وكانت مواقف الكرد الآخرين أقل تشدداً تجاه الجيش، فالرئيس طالباني بقي على تواصل إنساني وعلاقات صداقة مع كثير من قادة الجيش، ورفض المصادقة على حكم الإعدام الصادر ضد وزير الدفاع في زمن صدام الفريق أول الركن سلطان هاشم وقادة آخرين، وكان يستند إلى حجة مفادها «كيف أصادق على إعدامهم وكنت على تواصل معهم؟»، ومع أن التواصل ربما لم يتعد الحالات الهامشية، فإن الاستناد إليه يبقى حالة أخلاقية تسجل للطالباني.

وعلى الجانب الشيعي، كانت هناك رغبة وتصميم على منع عودة سيطرة البعثيين على الحكم وضرورة زجّ القوى المسلحة التي عملت ضد النظام ضمن هياكل القوات المسلحة، وهو موقف غير عدائي ولا يجانب الصواب في مرحلة حساسة وبعد معاناة طويلة من بطش النظام. أما الكتل السنية، فلم يكن لها رأي ولا وجود حقيقي في تلك المرحلة، فقد كانت ضائعة بين سطوة الإرهاب وحنين البعض إلى الماضي وضعف القيادة والسيطرة وتشتت الموارد وضعفها وغرام البعض بمفهوم المقاومة التي أرهقت العراق عموماً والمناطق الساخنة تحديداً.