مر أكثر من عام على مغادرة محمد العريان بصورة مفاجئة لشركة باسيفيك انفستمنت مانجمنت Pacific Investment Management التي كان يحتل مركز القيادة فيها، وهي المؤسسة المالية العالمية العملاقة التي تبلغ قيمتها 17 تريليون دولار، وتتخذ من «نيوبورت بيتش» مقراً لها.

وخلف وراءه عناوين رئيسية بشعة وعملاء يبحثون عن عوائد أعلى مع سحب عشرات المليارات من الدولارات من الشركة. كما خلف أيضاً الدفعات الضخمة التي نجمت عن منصبه كرئيس تنفيذي والمسؤول المشارك في الاستثمار – وقد بلغت مكافأته عن سنة 2013 – بحسب تقرير صدر عن بلومبيرغ – 230 مليون دولار. وقال في مقابلة في الأسبوع الماضي إن حياته كانت مجزية ومنجزة بصورة مذهلة.

Ad

ولايزال هذا الاقتصادي الذي يبلغ السادسة والخمسين من العمر يستيقظ عند الساعة 3:30 صباحاً كما كان يفعل حين كان يقود سيارته من منزله في شاطئ لاغونا بيتش إلى قاعة التداول في بيمكو، ولكنه يمضي الآن ساعات ما قبل الفجر في تأليف كتاب بعنوان: «اللعبة الوحيدة – الصعود والهبوط المحتمل للعمليات المصرفية المركزية العصرية وماذا يعني ذلك بالنسبة إليك». كما يكتب تعليقات إلى وكالة بلومبيرغ  وصحيفة فيننشال تايمز البريطانية، ثم يقوم باعداد طعام الفطور لإبنته التي تبلغ الحادية عشرة من العمر قبل أن يوصلها إلى المدرسة بسيارته.

وحتى قبل مغادرته لشركة بيمكو، كان محمد العريان يفكر في نقص التوازن بين الحياة والعمل. وقبل عدة أشهر من استقالته قامت ابنته بتسليمه قائمة بالمناسبات التي فاتته، وقد شملت تلك القائمة أول يوم لها في المدرسة وأول مباراة كرة قدم لعبتها واجتماع أولياء الأمور واستعراض عيد الهالوين. وهو يقول الآن إنه يقوم بإحضار ابنته من المدرسة ويرافقها الى أنشطة ما بعد الدراسة.

ويمضي العريان حوالي نصف وقته بصفته «مستشارا اقتصاديا رئيسيا» في شركة ألايانز اس اي للخدمات المالية، وهي الشركة الأم لـ«بيمكو» وتتخذ من ميونيخ مقراً لها. ويقول هذا الرجل الذي يحمل شهادة دكتوراه في الاقتصاد وظهر في برامج تلفزيونية مالية عديدة إنه رفض عروضاً لوظائف حكومية إضافة إلى مناصب إدارية في شركات في «فورتشن 500»، واختار بدلاً من ذلك رئاسة مجلس التنمية العالمية لدى الرئيس باراك اوباما، كما يعمل في عدد كبير من مجالس إدارة شركات غير ربحية.

ويقول: «حظيت بميزة تقرير ما أريد القيام به حقاً. وما أريد عمله حقاً هو استعراض الأفكار المتعددة، ولا شيء يحفزك أكثر من اضطرارك الى الكتابة». وكتاب العريان حول البنك المركزي ليس الأول، فقد كان كتابه في سنة 2008 تحت عنوان «عندما تصطدم الأسواق» أكثر الكتب مبيعاً.

وإذا كانت حياته اليوم تبدو على شيء من الهدوء فهي تعود على الرغم من ذلك الى طموح مبكر: مهنة في العمل الأكاديمي، وقد تخلى عن ذلك المسار عندما كان في الثالثة والعشرين من العمر حين توفي والده، وهو دبلوماسي مصري، واضطر الى إعالة أمه وأخته. وهكذا عمل في وظيفة أفضل أجراً لدى صندوق النقد الدولي.

ما علاقة تقدمه الى القمة في شركة بيمكو بإغراء القوة والمال؟

يقر محمد العريان بأن «عالم المال الذي يثير اهتمامي يطرح حصيلة مجزية»، لكنه يفضل التحدث عن التحديات الثقافية: «أحببت العمل في شركة بيمكو حيث كنت محاطاً بأكثر الناس ذكاء وبراعة في المهنة».

ولا يريد مناقشة ظروف استقالته – ويقال إنه وقع اتفاقية عدم كشف أي شيء في هذا الشأن. ولكنه يستذكر ولعه الشديد ببيئة بيمكو المدهشة، و»هي بيئة مناقشة. وتنطوي على مهمة جلية لتقديم أفضل ما لديك الى العميل».

مشروع عمل محمد العريان الوحيد في هذه الأيام هو استثمار عدة ملايين من الدولارات في شركة حديثة العهد في «كوستا ميسا» – بي اوف إنك – Payoff Inc التي تساعد العائلات المرهقة على إعادة تمويل ديون بطاقات الائتمان بمعدلات مخفضة. وقد انضم الى مجلس إدارة هذه الشركة بعد اجتماع له مع مؤسسها سكوت سوندرز الذي لديه طفلة في صف الدراما حيث تتعلم ابنته.

وفي مقابلة شاملة ناقش العريان مؤخرا طائفة من المواضيع شملت الاقتصاد العالمي وازدياد عدم المساواة في الولايات المتحدة ومحفظته المالية الشخصية وحبه الشديد لـ«تويتر». وفي ما يلي بعض ما جاء في تلك المقابلة:

• سوف تتحدث عما قريب في مناسبة تركز على عدم المساواة الاقتصادية، لماذا؟

– لقد تفاقم عدم المساواة في الدخل إلى حد كبير بحيث تم تقويض محفزات الاستهلاك ككل. ولاشك في أن القليل من التفاوت جيد للنظام الاقتصادي لأنه يخلق الحوافز، أما الكثير منه فيفضي إلى تأثيرات سلبية، وقد انطوى الحال على عدم مساواة في الفرص.

• ما الذي يتعين عمله؟

– يتعين على الحكومات استخدام سياسة مالية فعالة، وفرض مزيد من الضرائب على الأغنياء ودعم قطاعات مهمة بالنسبة إلى التساوي في الفرص مثل التعليم والصحة.

• أي نوع من الضرائب على الأغنياء؟

– القضاء على الثغرات التي استغلها الأغنياء، وزيادة الضريبة على الأسهم الخاصة، وزيادة ضريبة الإرث.

• هل تعمل على زيادة ضريبة الدخل؟

– توجد وجهة نظر تقول انك إذا رفعت الحد الأعلى من معدلات الضريبة الهامشية بنقطتين مئويتين سوف تغير بشكل ما حوافز العمل. وأنا لا أصدق ذلك.

• فرضت ضريبة على أرباح رأس المال بلغت 39.9 في المئة في سبعينيات القرن الماضي. والمعدل اليوم هو 15 في المئة. هل تغير ذلك؟

– لن أبدأ من الافتراض بأنك لا تستطيع أن تمس هذه المعدلات. أنا سوف أبدأ من الافتراض بأننا في حاجة إلى الاستثمار بقدر أكبر في مستقبل شبابنا.

• كيف ستقنع الأثرياء بدفع مزيد من الضرائب؟

– توجد مرحلة يدرك فيها من يستفيد من عدم المساواة بأن من الأفضل عمل شيء ما إزاء ذلك. وليس في وسعك السكن في منزل جيد وسط حي يتسم بالفقر والتحدي.

• هل ترى أن رواتب المديرين التنفيذيين عالية جدا؟

– أنا أؤيد تماماً جعل المساهمين أكثر اهتماماً في كيفية تخصيص الأرباح والعوائد، ونحن نعيش في عالم يحصل فيه الفائز على كل شيء. والبعض من ذلك جيد. هل تريد أن تكافىء ستيف جوبز. ان مقولة « الفائز يحصل على كل شيء» صحيحة ولكنها باتت أعلى كلفة مما كانت عليه في الماضي.

• أين توجد أموالك؟ في الأسهم؟ أم سندات الخزينة؟ أم السندات عموما؟

– أموالي تتركز في الغالب في الكاش. وذلك ليس جيداً في ضوء تآكلها بسبب التضخم. ولكنني أظن أن معظم أسعار الأصول قد جرى رفعها بصورة مصطنعة من جانب البنوك المركزية إلى مستويات عالية جداً.

• هل نقترب إذاً من فقاعة في هذا الحال؟

– أرجع إلى البنوك المركزية. البنوك المركزية تنظر إلى النمو، والتوظف والأجور. إنها متدنية جداً. وتلك البنوك لا تملك الأدوات التي هي في حاجة إليها، ولكنها تشعر أنها ملزمة للقيام بشيء ما. ولذلك فهي ترفع بصورة اصطناعية أسعار الأصول من خلال الاحتفاظ بمعدل فائدة لا يزيد عن الصفر، وعبر استخدام ميزانياتها لشراء الأصول. لماذا؟ لأنها تأمل في إطلاق ما يدعى تأثير الثروة. عندما تعرف أن سعر ما تملكه قد ارتفع سوف تنفق. كما أن الشركات سوف ترى أن أسهمها ارتفعت ومن ثم تصبح راغبة بقدر أكبر في الاستثمار. ولكن هناك فجوة ضخمة تتسع الآن بين أسعار الأصول وبين الأساسيات fundamentals.