مع تجدد مناسباتنا الوطنية في ذكرى الاستقلال والتحرير يجب أن نستذكر بلا حدود شهداءنا الأبرار على مر التاريخ وتحديداً شهداء مقاومة الغزو العراقي، ليس لأن عطاء الشهيد يتجاوز جيله ويتمدد عبر الأجيال المتلاحقة فقط، وليس فقط لأن تضحية الشهيد لا يضاهيها شيء في الوجود عندما يكون البذل هو الروح والجسد والدم، وليس فقط لأن الشهادة وسام لمحيط الشهيد بلداً كان أم أمة، يجسّد الكرامة والشهامة والبطولة وقيمة الحرية، ففوق ذلك كله شهداء الكويت رسموا لوحة مهما كانت مؤلمة وحزينة، فإنها جميلة وناصعة ومدرسة يفترض أن نستهدي بتعاليمها.

Ad

الوطنية كلمة وشعار، ولعل الجميع يستخدمها حسب نيته ومقاصده، بل في الغالب لا يؤمن بها قولاً وفعلاً إلا ما ندر، والكل مشكوك في ادعائه الوطني أو يبقى هذا الادعاء على محك الزمن، قد ينزلق منه طال هذا الزمان أو قصر، إلا الشهيد حيث يكون ختام حياته من أجل هذه الدوافع الوطنية، ولذا لا يشكك في هذه الخصلة لديه أبداً.

مزيج شهداء الكويت إبان الاحتلال سجل ملحمة الوطنية بأبهى صورها، فعندما اختلطت دماؤهم كانوا صادقين بأن السُّنة والشيعة والبدو والحضر والكبار والصغار والرجال والنساء عملة كويتية خالصة وواحدة، لذا نحن في أمسّ الحاجة إلى أن نستذكرهم باستمرار لا أن نترحم عليهم في يوم التحرير فقط.

الجهود الحكومية في تكريم شهدائنا لم تتعدّ الجوانب المادية من صرف المزايا والرواتب لذويهم في مسؤولية مستحقة، ولكن أسماءهم وأعمالهم لم تستثمر في وجدان الشعب بكل شرائحه وانتماءاته، هذه الفصائل التي باتت تشق صفوفها النميمة والأحقاد، بل تمنى بعضها الشر لا الخير لبعض، ومع ذلك فإن معالم البلد التي قد تذكرنا باستمرار بهؤلاء الشهداء حرمتنا منها الحكومات المتعاقبة، فلا يوجد مبنى أو حتى شارع باسم أي شهيد رغم أن شوارعنا تعجّ بآلاف الأسماء، منها العجيب والغريب ممن لم يقدم لهذا البلد ما قدّمه الشهداء، وهذا أكبر ظلم لهؤلاء الشهداء، ولذلك فإن عذر الحكومة في إطلاق الأسماء على الشوارع قد انتفى تماماً بعد هذا الإسهال الذي شمل حتى الشوارع الرئيسية الكبرى، لذا ينبغي علينا جميعاً، ولا سيما أعضاء المجلس البلدي، إعادة ذكرى هؤلاء الأوفياء من جديد.

بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من المشاريع ذات الطبيعة الترفيهية مثل الحدائق العامة وساحة العلم والمنتزهات، وهذه المعالم التي أنفقت عليها ملايين الدنانير يفترض أن تزيّن، ولو أحدها، بنصب تذكاري لا يقل في جودته وجمال بعده المعماري عن أي معلم، بأسماء وصور شهداء الكويت ونبذة عن حياتهم وبطولاتهم أسوة بكل دول العالم، لعل وعسى أن نفي هؤلاء الأبطال جزءاً من حقهم والدَّين الذي لهم في أعناقنا جميعاً، بعد أن احتضنهم التراب، في حين نستمتع ونحتفل بالأعياد ونطالب بمنح مالية وعطل إضافية في هذه المناسبات!