بينما تستمر المعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) يعيد مسؤولو واشنطن التأكيد على أنها ستكون معركة طويلة الأمد، وذلك حتى في العراق، وهي الجبهة التي تعطيها إدارة الرئيس أوباما الأولوية، ومع ذلك، فإنّ النجاحات التي حققتها قوات البشمركة الكردية والقوات الفدرالية التي تتحكم فيها بغداد أخيراً تشير إلى انعطاف في اتجاه هجوم الجماعة الجهادية في العراق، مما سيؤدي على الأرجح إلى احتوائها وطردها في النهاية من الموصل والفلوجة وتكريت.

وكما في أي حملة عسكرية، حالما تمسك الولايات المتحدة وحلفاؤها بزمام الأمور، سيغذي الزخم الذي ستكتسبه المزيد من النجاح، وهو الأمر الذي اختبره تنظيم "الدولة الإسلامية" بنفسه في يونيو عندما اجتاح معظم مناطق العراق ذات الأغلبية السنية العربية، وبوسع نجاحات قوات التحالف تدمير الجماعة كقوة تقليدية رئيسة في العراق، إذا افترضنا أنّ الإدارة الأميركية قادرة على الإجابة عن سؤال حول الجهة التي قد توفر القوات البرية اللازمة في العمل الهجومي.

Ad

وإذا ما سار القتال في العراق على ما يرام، فإنّ الولايات المتحدة ستحتاج إلى تأمين استمرارية نجاحها، في حال كانت تأمل في إحراز أي تقدم ضدّ "داعش" الذي ما زال قويا في سورية، وفي ما يلي مؤشرات سياسية وعسكرية عامة لترسيخ مثل هذا النجاح:

1- الحرص على ألا تقضي المثالية على ما يمكن تحقيقه.

لقد ركّز الجيش الأميركي انتباهه على سؤال الجنرال ديفيد بترايوس الشهير عام 2003: "أخبروني كيف سينتهي هذا الأمر"، لا يمكن أن يحول السؤال دون العمل الفعلي، كما أنّ المعركة ضدّ "الدولة الإسلامية" هي حملة "ضغط اقتصادية" منخفضة التكلفة هدفها الصريح عدم تكبد الخسائر، وفي مثل هذه الحملات، تقلّ الحاجة إلى الإجابة بشكل حازم عن السؤال الذي طرحه الجنرال قبل شنّ المعركة الكاملة مقارنة بالتفكير في إلزام مئات الآلاف من الجنود وتوقع خسائر فادحة وتطبيق "عقيدة باول" العسكرية التي تنص على أنّه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تقدم على الحرب إلاّ حين تكون ملاذاً أخيراً، ثم تخوضها بقوة عسكرية هائلة.

2- العمل العسكري ليس وسيلةً فحسب، بل غايةً

رغم أخذ مبادئ المنظّر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز حول أولوية السياسة في أي نزاع، فإنّه لا يجدر بهذه المبادئ ردع القادة عن تنفيذ عمليات عسكرية فعالة لتغيير الوضع العسكري في حالة طوارئ، وهي حال النزاع مع "داعش". وبالتالي، فإنّ إيقاف الجهاديين من التقدم في العراق وسورية ودحر تنظيم "الدولة الإسلامية" يشكل رداً فعالاً. وكان الرئيس أوباما على حق عندما حذّر في خطابه في الأكاديمية العسكرية الأميركية في "وست بوينت" في 28 مايو بأنّ كل المشاكل ليست "مسامير" تتطلب "مطرقةً" عسكرية، غير أنّ الواقع برهن أنّ المطرقة العسكرية هي الخيار الصحيح لحلّ بعض المشاكل الراهنة.

3- أي نتيجة سياسية متركزة حول إجراء تغيير جذري في المنطقة محكوم عليها بالفشل

الشرق الأوسط بوتقة من التعقيد والاختلال والصراعات، وعلى الولايات المتحدة أن تبقى منخرطة فيه نظراً للمصالح الحيوية التي أعاد الرئيس أوباما التأكيد عليها- وهي مكافحة الإرهاب ووقف الانتشار النووي ودعم الحلفاء والشركاء وتسهيل تدفق النفط والغاز- إلا أنه ليس بإمكانها "إصلاح" المنطقة، فقد تمت تجربة ذلك بالفعل بشكل متكرر في أماكن مثل بيروت ومقديشو، وعلى نطاق أوسع في أفغانستان والعراق، حيث كانت النتائج غير مرضية على أفضل حال.

وكما يؤكد هنري كيسنجر في كتابه الجديد "النظام العالمي"، أنّ الحجر الأساس لمجمل الانخراط الأميركي والدولي على مرّ القرن المنصرم- والذي يتمثّل بالدولة القومية و"نظام ويستفاليا" المتمثل بسيادة الدولة القومية الذي نتج عن صلح وستفاليا الذي أنهى توقيعه حرب الثلاثين عاماً والذي تشكل الدول جزءاً لا يتجزأ منه- يتّسم بالضعف في الشرق الأوسط بشكل خاص نتيجة هشاشة الجذور الوطنية والتنافس القائم بين الهويات المحلية والشمولية، بما فيها الحركات القومية العربية والدعوات الدينية الواعدة بالخلاص.

4- على شعوب المنطقة حلّ مشاكلها بنفسها

رغم أن هذا المبدأ ينطبق في جميع أنحاء العالم، فإنّه يمتّ بالصلة الكبرى إلى الشرق الأوسط نظراً إلى عمق واتساع المشاكل التي تهدد نظامه الداخلي، فمعالم الحداثة المجتمعية تنكشف في المنطقة وسط هيكليات وطنية ضعيفة. ما لم تحصل "صحوة" داخلية حقيقية بين شعوب المنطقة، بعيداً عن الحركات السياسية الواعدة بالخلاص وباتجاه الأعراف السياسية السائدة في أغلب بقية دول العالم، لا يمكن أن يحدث أي تغيير جوهري.

5- تجنّب تنفيذ القوات البرية الأميركية عمليات كبيرة تهدف إلى تحقيق الاستقرار

ينتج هذا التحذير من الوضع الإقليمي من تجارب أميركا في تغيير الأنظمة وعمليات تحقيق الاستقرار وبناء الأمة تحت وقع إطلاق النار منذ حرب فيتنام حتى العقد الماضي؛ لذا فأي محاولة مماثلة ستحقق في أفضل حالاتها نجاحاً مشكوكاً فيه، هذا فضلاً عن عدم رغبة الشعب الأميركي في الانخراط في أي اشتباك عسكري حتى إن كان ضرورياً ومنخفض التكلفة.

6- الانخراط الأميركي المستمرّ، بما فيه الوجود العسكري المحدود، ضروري للنجاح الطويل الأمد

سيكون التوافق السياسي بين مختلف الجماعات العرقية والدينية في العراق، وفي سورية أمراً ضرورياً لهزيمة "داعش" ومنعه من كسب موطئ قدم جديد، فالمؤسسات الدستورية والديمقراطية في الشرق الأوسط عرضة لضغوط طائفية واستبدادية، خصوصا إذا كانت تلقى دعماً من الخارج؛ ولذلك، يجب على أي توافق سياسي أن يرتكز على اللامركزية والمشاركة الفعالة في السلطة، بما في ذلك ما يتعلق بقوات الأمن والموارد الطبيعية والإيرادات.

حقق العراق نجاحاً في هذا الإطار عبر إنشاء هيكليات تمكّن "حكومة إقليم كردستان" من الوجود في الشمال، غير أنّ توسيع نطاق مثل هذه الحلول للمشاركة في السلطة بالمناطق العربية السنية بالعراق، كما في أوساط الجماعات العرقية والدينية في سورية في نهاية المطاف، سيتطلب إحداث تغيير ثقافي داخلي وتوفير ضمانات دولية وقوة مراقبة خارجية، وبينما يجب أن تأتي الشرعية السياسية لمثل هذه الخطوات من الأمم المتحدة أو غيرها من الهيئات الدولية الأخرى، يجب أن تأتي القوة العسكرية اللازمة لتنفيذها من الولايات المتحدة.

7- تمديد الوقت في صراع طويل الأمد

لا يمكن الإجابة عن سؤال "كيف سينتهي الأمر" بسيناريو وجدول زمني واضحين، ولا حاجة إلى الإجابة عنه لتبرير استخدام "المطارق" العسكرية في حالات الطوارئ، ومع ذلك فإنّ الواقع السياسي ودبلوماسية التحالفات تتطلب إجابةً ما. أفضل جواب في الوقت الراهن هو ضرورة وجود برنامج يسمح للشرق الأوسط بالانتقال إلى الحداثة وإحداث التغيير الداخلي اللازم لترسيخ مبدأ قيام الدولة القومية وكبح العنف والتطرّف، هذه ليست صيحة قتال لتحقيق المجد، إنّما هي خطوة ملموسة وقابلة للتحقيق.