في عام 1998، نشر باحثون من جامعة بنسلفانيا دراسة قد تصدمنا.

فأخذوا شخصين مصابين بحالة حادة من فقدان الذاكرة وما كانا يستطيعان تذكر الأحداث الحاصلة قبل دقيقة ومنحوهما الغداء. بعد بضع دقائق، قدموا لهما غداءً ثانياً. فتناولاه بشهية. وبعد دقائق، قدموا لهما غداءً ثالثاً فأكله المريضان أيضاً. بعد أيام، كرروا التجربة فأخبروا شخصين غير مصابين بضعف الذاكرة على المدى القصير بأن وقت الغداء حان مراراً وتكراراً وراقبوهما وهما يأكلان وجبات عدة خلال فترة قصيرة.

Ad

قد يبدو هذا الاكتشاف سخيفاً لكنه يكشف عن حقيقة بسيطة عن سبب الأكل. الجوع لا يأتي من المعدة وحدها، بل من رأسنا أيضاً. نحتاج إلى ذكرياتنا الناشطة كي نعرف متى تبدأ الوجبة ومتى تنتهي.

كيف تخدعنا قوائم الطعام؟

قد يكون احتساب السعرات الحرارية أمراً إيجابياً. قد لا يغير هذا العامل سلوكنا بشكل جذري، لكن تشير الدراسات إلى أنه يدفع المطاعم إلى تقليص نسبة السعرات الحرارية في أطباقها. لكن كشفت دراسة جديدة عن وجود طريقة سهلة للتخلص من منافع احتساب السعرات الحرارية. إذا نظمتَ جميع الأطباق الصحية ضمن فئة واحدة {قليلة السعرات}، ستتراجع جميع الآثار الإيجابية لاحتساب السعرات. عند تحضير قائمة طعام صحية، سيفكر الناس بتلك القائمة بشكل منفصل. ستبدو لهم مفيدة ثم يمكن أن يطلبوا الأطباق الدهنية التي أرادوا تناولها في المقام الأول.

كيف يخدعنا الطعام؟

مجرد تصنيف الغذاء على أنه {صحي} يجعل مذاقه أسوأ. لكن ما هي الصفات المخادعة التي تجعل الطعام غير الصحي يبدو صحياً؟

في سلسلة من الدراسات الحديثة، طلب الباحثون من المشاركين أن يتناولوا قضمة من كعك براوني أثناء مشاهدة التلفزيون (إنه نشاط ممتع!). كان بعض القطع صلباً والأخرى طرية. تناول المشاركون عدداً أكبر من القطع الطرية تلقائياً. لكن حين طُلب منهم أن يفكروا بمحتوى السعرات الحرارية، بدلوا سلوكهم وبدأوا يأكلون فجأةً عدداً إضافياً من القطع الصلبة. بالنسبة إلى الدماغ أثناء الأكل، كانت القطع الأكثر صلابة تعني تلقائياً أن الأكل صحي.

تتماشى الدراسة مع مجموعة أدلة تشير إلى أن الأغذية التي تتمتع بتركيبة صلبة تبدو أفضل من الناحية الصحية، حتى لو كانت تحتوي على الخصائص الغذائية التي تطبع النسخ الأكثر طراوة. استنتج الباحثون أن ألواح الغرانولا والخلطات والمكسرات وأصنافاً عدة من حبوب الفطور تُعتبر صحية بسبب صلابتها رغم احتوائها على نسبة مرتفعة من السعرات الحرارية كونها تتطلب جهداً أكبر لتفتيتها وابتلاعها. تبدو تداعيات هذه الفكرة مدهشة بالنسبة إلى شركات المأكولات السريعة: إذا أردت أن تبدو مأكولاتك الدهنية صحية، اجعلها أكثر صلابة. حصلت الأصناف الجديدة من الأطباق المقلية في سلسلة {برغر كينغ} على تركيبة أكثر صلابة.

كيف يخدعنا الجو العام؟

• الحرارة، الإضاءة، الروائح، الضجة: هذا ما يسميه الباحثون {الجو العام}. تستطيع هذه العوامل إلهاءنا عن الطعام وتغيير الكمية التي نأكلها. في ما يلي بعض المعلومات المثبتة:

• يأكل الناس كمية أكبر في المطاعم حين يكون الطقس بارداً، ربما لأننا نحتاج إلى طاقة أكبر للشعور بالدفء.

• الإضاءة الخفيفة (على ضوء الشموع تحديداً) تجعلنا نشعر براحة أكبر ونأكل لفترة أطول بينما تجعلنا الأضواء الساطعة نأكل بوتيرة أسرع.

• تبين أن الروائح الجميلة تزيد استهلاكنا للمشروبات الغازية خلال مشاهدة الأفلام بينما تجعلنا الروائح الكريهة نشعر بالشبع بوتيرة أسرع.

• مصادر الإلهاء الاجتماعية، لا سيما مشاهدة التلفزيون أو تناول الطعام مع الأصدقاء، قد تؤدي إلى الأكل لفترات أطول لأنها تجعلنا ننسى ما استهلكناه للتو، مثل المرضى الذين يفقدون الذاكرة.

كيف تخدعنا القواعد؟

حين نريد التصرف بمسؤولية (الدرس للامتحان واتباع حمية غذائية)، سنحقق نجاحاً أكبر عند مواجهة أشكال أوضح من الإغراء.

إذا كنت تحتاج إلى دراسة موثقة وإلى صديق يقول لك {سنذهب إلى النادي الليلي!}، سيفكر الدماغ بهذه الطريقة: {أنا لن أتمكن طبعاً من الدرس في النادي لذا سأرفض!}. لكن ماذا لو قال لك أصدقاؤك {سنذهب إلى مقهى. تعال معنا لشرب كوب من القهوة بالحليب؟}. سيكون كوب القهوة انتهاكاً أخف من الرقص لأجواء الدرس. لن يرفض دماغك فكرة الذهاب إلى المقهى فوراً. قد تذهب إلى المقهى وتخوض نقاشاً لمدة 45 دقيقة ثم تدرس بالإنتاجية نفسها فيما لو ذهبت إلى النادي ثم تخفق في الامتحان. تبين أن أقل إغراء هو الأكثر وطأة وسوءاً.

تنطبق لعنة الإغراء غير المباشر على الطعام أيضاً. لنقل إنك تتبع حمية غذائية، فيسألك النادل إذا كنت تريد تناول حلوى بالشوكولا. سيندهش الدماغ ويظن أنها وجبة غير صحية ولا مجال لتناولها. لكن إذا قدم النادل مجموعة من الخيارات الصغيرة التي لا تبدو غير صحية بالقدر نفسه، ستكون قوة الإغراء أقل وضوحاً ولن تنتفض آلية التنظيم الذاتي في جسمك بهذه القوة. اكتشف الباحثون أن الانتهاكات الواضحة للحمية يسهل رفضها. لكن تقودنا الانتهاكات الأقل وضوحاً إلى الاستسلام دوماً لأنها تجردنا من آليات التنظيم الذاتي.

كيف تخدعنا السلطات؟

في منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، أصبحت سلسلة {ماكدونالدز} أكثر تركيزاً على ترويج الخيارات الصحية مثل السلطات والفاكهة. لكن نجم هذا المنحى في تلك السنوات عن ميل الناس إلى تناول كمية إضافية من المأكولات السريعة مثل برغر الجبنة والدجاج المقلي. بدا تسويق الخيارات الصحية جاذباً لمن يريدون اتباع حمية صحية في المطاعم، لكنهم كانوا يعودون لطلب وجبة دهنية نموذجية.

تتعلق إحدى النظريات الكامنة وراء هذا الوضع الغريب بفكرة {تحقيق الهدف غير المباشر}. إنها الفكرة القائلة إن وجود الخيارات الصحية مثل السلطة في المطعم قد يؤدي إلى تناول مأكولات غير صحية. من خلال إدراج خيار صحي ضمن مجموعة المأكولات غير الصحية، يرتفع مستوى التساهل وفق دراسة {كاني} التي جرت في عام 2013. وجد الباحثون أن إدراج السلطة على قائمة الأطباق الجانبية مع البطاطا المقلية وقطع الدجاج المقلي والبطاطا المخبوزة يرفع احتمال أن يطلب الناس الذين يهتمون بصحتهم المقالي الدهنية بدل رفض جميع هذه الخيارات. استنتج الباحثون أن مجرد التفكير بخيار صحي يرضي هدفنا بالتحول إلى حمية صحية، ما يعطينا الإذن بالاستمتاع بمأكولات دهنية.

كيف تخدعنا أغلفة المنتجات؟

{هذا البلد معروف بالمأكولات قليلة الدهون وبمشكلة البدانة}: هكذا بدأ براين وانسينك وبيار شاندون دراستهما التي تثبت أن الأغلفة التي تذكر أن المنتج قليل الدهون قد تؤدي إلى الأكل المفرط، مثلما أظهرت الدراسات السابقة أن عينات الأغذية {الصغيرة} تقلص على ما يبدو شعورنا بالذنب عند استهلاكها وتشجعنا على تناول كمية مفرطة.

تصنيف الوجبات الخفيفة بعبارة {قليل الدسم} قد يزيد استهلاكها بنسبة تصل إلى 50% وفق استنتاج الباحثين. في ثلاث دراسات، تبين أن الأغلفة التي تذكر عبارة {قليل الدسم} تدفع جميع المستهلكين، لا سيما البدينين منهم، إلى تناول كمية مفرطة من الوجبات الخفيفة وبنسبة إضافية تصل إلى 50%. بهذه الطريقة، تجعلنا الأغلفة الصحية التي تدرّبنا على التنبه إلى ما نأكله أقل حذراً حين نتناول الوجبات الخفيفة.

كيف تخدعنا المطاعم؟

تعطي المطاعم {الصحية} عواقب غير صحية. وجدت دراسة جرت في عام 2007 أننا نستخف بالوجبات المؤلفة من ألف سعرة حرارية في المطاعم {الصحية} مثل {سابواي} أكثر من الوجبات التي تتضمن السعرات نفسها في {ماكدونالدز}. كتب الباحثون: {يكون أثر الادعاءات الصحية على تقديرات السعرات الحرارية قوياً بالنسبة إلى المستهلكين الذين يهتمون بغذائهم مقارنةً بالمستهلكين الذين لا يهتمون كثيراً بالتغذية أو الأكل الصحي}. لاحظت الدراسات السابقة أننا نطلب أطباقاً جانبية غنية بالسعرات الحرارية في المطاعم المعروفة بأطباقها الصحية.

صحيح أن البدانة تنجم عن تناول أطباق عشوائية فيها مكونات كثيرة، لكنّ هذه الهالة {الصحية} الساخرة تُعتبر مسؤولة جزئياً عن ارتفاع معدلات البدانة بين عامي 1991 و2001 من 23 إلى 31%، بينما ارتفع عدد الأميركيين الذين يأكلون طعاماً قليل السعرات من 48 إلى 60%.