تتعدد أسماء هذا النوع من الأدب الإسباني النثري منذ نشأته في القرن السادس عشر وازدهاره في ما بعد في أوروبا الغربية بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، فبرزت أكثر من طريقة للترجمة من مدراس الترجمة، فالبعض يطلق عليها الرواية البيكاريسكية، كما المصطلح باللغة الإسبانية، كدلالة على دقتها، بينما يختار بعض المترجمين مصطلح الشطار، والرواية الاحتيالية، وأدب المهمشين، والرواية الصعلوكية.

Ad

يلقب القرن السادس عشر بالعصر الذهبي في إسبانيا، رغم أن قانون الكنيسة كان صارماً وحازماً وضد كل من يحاول أن يتمرد على السلطة الدينية العليا. طبقة كادحة تتذوق مرارة الحياة وقسوتها، وطبقة حاكمة ووسطى تعيشان برغد، فتنشأ فكرة التمرد والثورة الفكرية الأدبية، فتتحول الكتابات الشعرية والنثرية والمسرحية ذات الطابع الرسمي والمثالي إلى روايات واقعية ساخرة تتطرق إلى النفاق الاجتماعي والنقد اللاذع لتصرفات فئات المجتمع ذات النفوذ.

بطالة! صعلكة! تمرد! تهميش! تشرد! خباثة! لا قيم لا أخلاق! كل تلك الأسماء تظهر في واحدة من أشهر الروايات الإسبانية ذات الطابع البيكاريسكي بعنوان "حياة اللاثاريجو دي تورميس"، والتي نشرت لأول مرة سنة 1554، مجهولة المؤلف نظراً للأوضاع الدينية السياسية في تلك الحقبة، حيث قامت بحظرها محاكم التفتيش لتفشي الرذائل فيها، ولم تسمح بنشرها لاحقاً إلا بعد تنقيحها كلياً، ولم يُعد نشر الرواية بشكل كامل حتى نهاية القرن التاسع عشر.

تدور أحداث الرواية عن محتال يعمل لدى أكثر من شخص، واحداً تلو الآخر، بعد هربه من السابق، ويبدأ فصلها الأول مقدما لنا لاثاريجو المولود في إحدى قرى مدينة سالمنكا بجانب نهر التورميس، يموت والده وتنتقل والدته إلى قلب مدينة سالمنكا مزاولة مهنة التنظيف والغسل، نظراً لظروف الحياة وتتزوج من رجل زنجي وتنجب طفلاً، ولكن سرعان ما يتهم زوجها بالسرقة ويعاقب فتنتقل إلى مكان آخر.

 وهنا تبدأ مغامرة لاثاريجو مع مخدوميه، فالأول كان أعمى وبخيل يحرمه الطعام، فكان يتحايل على الأعمى لكي يستطيع الأكل حتى اكتشفه مخدومه وعاقبه، فهرب لاثاريجو منه بعد أن جعله يصطدم بعمود، وبدأ بطلب المال حتى التقى برجل دين يحتاج إلى من يساعده في ترتيبات الصلاة بالكنيسة، فقرر العمل معه، ولكن رجل الدين كان قاسياً وبخيلاً، فقرر لاثاريجو سرقة خبز الكنيسة الموجود بالصندوق متهماً الفئران ومخبئاً مفتاح الصندوق داخل فمه، ولكن يكتشف أمره بخروج صفير من فمه بعد ابتلاعه المفتاح، فعوقب وغادر.

 عند وصوله إلى طليطلة يتعرف إلى واحد من النبلاء، فيدرك أنه مفلس ويهرب، والمخدوم الرابع كان رجل دين يعشق التنزه كثيراً فهرب منه، والمخدوم الخامس كان بائعاً لصكوك غفران الكنيسة لكنه ابتعد عنه بعد اكتشاف نصبه ونفاقه، والمخدوم السادس كان صباغاً للدفوف وبالرغم من أن لاثاريجو كان يجني مالاً وفيراً من هذا العمل فإنه تركه لأنه شاق! أما المخدوم الأخير فكان رجل دين زوجه من امرأة كان على علاقة بها، فيقرر لاثاريجو التزام الصمت لكي يعيش بسلام!

اللاأخلاقية والوصولية في أوج مراحلها تعكس واقعاً صعلوكياً مرفوضاً، يقول الشاعر:

 وَإِذَا أُصِيـبَ القَـوْمُ فِـي أَخْـلاقِهِمْ

َأَقِـمْ عَلَيْهِـمْ مَـأْتَمـاً وَعَـوِيـلا