يكون معظم العناكب غير مؤذية للبشر، لكن ثمة أدلة على أن بعض الأجناس الخطيرة كانت شائعة خلال تاريخنا التطوري بحسب رأي نيو. قال جوشوا نيو، أستاذ مساعد في علم النفس في كلية برنارد في مدينة نيويورك وأول مشرف على دراسة أخيرة تناولت العناكب: {يمكن أن نعتبر الأمر أشبه بنوع من الدوائر المحوسبة التي يمكن برمجتها: حين ترصد كتلة صغيرة مع أجزاء مشعّة، ستلاحظها ويدركها وعيك. ثم يمكنك تجنبها أو التعامل معها بالطريقة المناسبة}.

Ad

وجدت أبحاث أخرى أن الناس يستطيعون رصد العناكب بسرعة حين يبحثون عنها. لكن يجيد الناس أيضاً رصد الحيوانات التي لا تطرح تهديداً عليهم، فضلاً عن المخاطر المعاصرة مثل الأسلحة وإبر الحقن. إذا كنا نجيد رؤية العناكب أكثر من أي كائنات حية أخرى، فيعني ذلك أن حساسيتنا تجاه العناكب قد تكون جزءاً من حساسية أكبر تجاه الحيوانات والبشر بشكل عام. وإذا كنا لا نجيد رصد العناكب أكثر مما نرصد بعض الابتكارات الحديثة تاريخياً، مثل الإبر، فيعني ذلك إمكان تعلّم القدرتَين عبر التجربة وليس بالفطرة.

لتحديد حقيقة وجود أمر مميز بشأن العناكب، عرض الباحثون أمام الناس شكل صليب يومض في وسط شاشة خلال ثِمن ثانية. كانت مهمة المشاركين، على حد علمهم، تقضي بتحديد العمود الأطول على الصليب.

خلال التجارب الثلاث الأولى، ظهر الصليب وحده. في التجربة الرابعة، ظهرت صورة أخرى في الوقت نفسه. شملت الصور المحتملة عنكبوتاً وإبرة حقن وذبابة وأشكالاً مبهمة نجمت عن إعادة ترتيب خطوط العناكب. ثم سُئل الناس ما إذا كانوا شاهدوا أي جسم إلى جانب الصليب حيث ظهرت الصورة الجديدة على ربع الشاشة. كما حاولوا تحديد الصورة عبر استخراجها من خط مستقيم.

لا شك في أن العناكب تجذب الانتباه أكثر من أي شيء آخر. حين ظهرت صورة عنكبوت، أجاب أكثر من نصف المشاركين عن الأسئلة الثلاثة بشكل صحيح: فقد لاحظوه وحددوا موقعه وعرفوا طبيعته. أجاب عدد أقل بكثير على الأسئلة الثلاثة بشكل صحيح عند رؤية صور لا تشبه العناكب. نُشرت الدراسة على موقع مجلة {التطور والسلوك البشري} في شهر أغسطس الماضي.

أشارت لين إيزبيل، عالمة أنثروبولوجيا تطورية في جامعة كاليفورنيا- ديفيس، إلى أن مدة ثِمن ثانية تكون طويلة بما يكفي كي يحدد معظم المشاركين بشكل واع صور العناكب، ما يصعّب التأكيد على تورط عمليات أعمق. تدرس إيزبيل كيف تشكلت الرؤية عند الرئيسيات عبر الحاجة إلى رصد الأفاعي الخطيرة.

أوضحت إيزبيل: {بالنسبة إلي، من المثير للاهتمام أن نتمكن من بلوغ مستوى الرصد البصري غير الواعي، قبل أن يتدخل الخوف والإدراك الواعي. هل نفعل ذلك مع العناكب والأفاعي؟ هذا ما أهتم بمعرفته ولا أظن أن الأدلة موجودة بعد}.

لا يشارك ديفيد راكيسون، أستاذ علم نفس في جامعة كارنيجي ميلون في بيتسبرغ، هواجس إيزبيل. في مشروع سابق، وجد راكيسون الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة أن الأطفال في الشهر الخامس من عمرهم نظروا إلى العناكب لفترة أطول مما نظروا إلى صور أخرى.

قال راكيسون: {مع الأولاد على الأقل، تقلّ الأدلة المتضاربة على أن العناكب والأفاعي لديها نوع من الطبيعة المميزة على مستوى المعالجة البصرية البشرية}.

وفق نيو وراكيسون، ما يجعل دراسة نيو مقنعة هو أن صور العناكب اخترقت {العمى غير المقصود} لدى الناس. يعني العمى غير المقصود أن يجعلنا التركيز على أمر معين نغفل عن أمر آخر. إنها ظاهرة قوية على نحو مفاجئ. في دراسة كلاسيكية عن ذلك الأثر، ركز الناس على احتساب عدد التمريرات في مباراة كرة سلة لكن فشل نصفهم في رؤية امرأة تمر في نصف المشهد مع أنها كانت ترتدي بذلة غوريلا.

استعملت الدراسة الجديدة تصميماً مماثلاً لكن استُبدلت مباراة كرة السلة بصليب بسيط. حصل كل شخص على فرصة واحدة فقط لرصد الصورة ولم يكن لديهم فرصة للتعلم أو الاستعداد. هذه الظروف تشبه تجارب أجدادنا مع العناكب.

أضاف راكيسون: {لا يمكن أن تعرف أن العناكب والأفاعي خطيرة عندما تلسعك. بل تتعلم ذلك عبر المراقبة لكنك لا تريد طبعاً أن تتعلم عبر التجربة المباشرة لأن تجربة واحدة قد تقتلك}.

كل ما كان يحتاج إليه أجدادنا على الأرجح هو نموذج عنكبوت مبرمَج مسبقاً لمنعهم من تعلّم الدروس بطريقة مؤلمة.