لا جدال في أن تنظيم العمل السياسي أو النقابي أمر في منتهى الأهمية، فكلما كان المجتمع منظما على أسس مدنية ديمقراطية دل ذلك على تحضره ورقيه وتقدمه، ولكن هنالك فرق شاسع بين تنظيم العمل السياسي والمجتمع المدني وبين تقييد حريتهما تحت ذريعة التنظيم؛ بكلمات أخرى، تنظيم الحريات العامة المكفولة دستوريا وفي المواثيق الدولية ومن ضمنها حرية العمل السياسي والنقابي والعام لا يعني بأي حال من الأحوال حظرها أو فرض قيود مُشددة عليها تحت مبرر تنظيمها.

Ad

 كما أنه لا جدال أيضا حول أهمية الأمن العام وضرورته من أجل استقرار المجتمع، إذ لا يمكن الحديث عن تنمية المجتمع وتطوره في ظل غياب الأمن وعدم الاستقرار، ولكن الأمن بمفهومه الحضاري لا يتعارض البتة مع الحريات والديمقراطية وإلا فقد دوره الطبيعي وفعاليته وتحوّل إلى أداة قمع وتسلط واستبداد.

من هذا المنطلق فإن الحديث عن ضرورة تنظيم الحركة الطلابية بهدف فسح المجال أمامها للعمل بحرية وديمقراطية شيء، أما فرض قيود مُشدّدة عليها تحد من حركتها وحريتها، أو التدخل في شؤونها الداخلية فشيء آخر مختلف تماما، إذ إن الحركة الطلابية في جميع أنحاء العالم الديمقراطي منظمة نقابية مستقلة يتولى الطلبة تشكيلها، ويديرونها بأنفسهم بما لا يتعارض مع الأنظمة والقوانين العامة المعمول بها في الدولة.

والحديث عن الحركة الطلابية المحلية يقودنا إلى التطرق لما تعانيه من مشاكل كثيرة، بعضها مثل الانتخابات الفرعية القبلية والطائفية والفئوية انعكاس لواقع المجتمع وظروفه السيئة، إذ لو كان العمل السياسي مُشهراً ومُنظّماً على أسس وطنية ديمقراطية لما شهدنا انتخابات فرعية سواء خارج العمل الطلابي أو داخله، ولكن ذلك لا يعفي الطلبة من المسؤولية، إذ إن دورهم الوطني المفترض هو رفع مستوى الوعي العام  للطلبة، والمساهمة في  تطوير المجتمع وتقدمه وحل مشاكله وليس نقلها إلى الوسط الطلابي، والعمل على تكريس الممارسات المتخلفة في المجتمع.

من جانب آخر فإن المؤسسات الأكاديمية والتعليمية عليها مسؤولية إجراء مراجعة شاملة للأنظمة واللوائح الإدارية المتعلقة بالأنشطة الطلابية وتطويرها باستمرار كي تكون أكثر مدنية وديمقراطية، وفي هذا السياق يجب أن يُنص صراحة على منع الانتخابات الفرعية بكل أشكالها ومعاقبة من يُنظمها ويشترك فيها، بالإضافة إلى تحديد سقف لتكلفة الدعاية الانتخابية كي تتيح فرصاً متكافئة لجميع الطلبة؛ لأن ما يُصرف أحيانا على الإعلانات سواء الانتخابية أو الخاصة بالأنشطة الطلابية خلال العام الأكاديمي يفوق القدرة المالية للطلبة. صحيح أن بعض الدعم المالي للاتحاد والروابط الطلابية يأتي من القطاع الخاص عن طريق رعاية النشاط، ولكن هذا أيضا بحاجة إلى مراجعة وتطوير.   

إن تقييد حرية العمل النقابي والطلابي تحت ذريعة تنظيمه، مخالف للدستور والمواثيق الدولية، ولا يخدم التطور المدني الديمقراطي، أما تجديد العمل الطلابي وتطويره من خلال طرح برامج وطنية جامعة تساهم في رفع مستوى وعي الطلبة، وتفعيل مشاركتهم في قضايا مجتمعهم ووطنهم فهذا شيء ضروري ومطلوب، وهي مهمة منوطة بالطلبة ذاتهم الذين عليهم جميعا تقييم عملهم النقابي بشكل مستمر، وابتكار أساليب جديدة ومبدعة، من أجل تطويره كي يخلق قيمة مضافة للمجتمع لا العكس.