في أوائل شهر فبراير الماضي دعيت من الإخوة في لجنة الجهراء والفروانية في التيار التقدمي للحديث في حلقة نقاشية عما يسمى اقتراح قانون تنظيم اتحادات الطلبة، ويومها قلت كل ما لدي شرحاً وتفصيلاً في أبعاد وآثار التشريعات "الانتقامية" التي قد تصلح أن تكون مقالاً يثير انتباه أصحاب القرار وسخط الرأي العام، لكنها بالتأكيد لا تصلح أن تكون قانوناً ينظم حياة الناس والمجتمع.

Ad

أول نقطة محورية يجب على الرأي العام الانتباه إليها هي أن المقترح الذي وافقت عليه اللجنة التشريعية لا ينظم عمل اتحاد الطلبة في الكويت وفروعه الخارجية، ولا يسعى إلى إشهاره، هو يسعى إلى ما يلي:

1- "تصفية" وجود اتحاد الطلبة الذي أسس عام 1964م في القاهرة، وتفرعت عنه الفروع التي تجمع طلبتنا من نيوزلندا حتى كندا، وخلق كيانات كاريكاتورية مكانها في كل كلية، يتم تعيين أعضائها من الاتحاد الهجين الذي ينتخب كل ثلاث سنوات مادة (33): "جميع اتحادات الطلبة والجمعيات الطلابية في الكليات التي تمارس أنشطتها قبل صدور هذا القانون تعتبر كأن لم تكن من تاريخ العمل بهذا القانون...".

2- حظر العمل الطلابي خارج الكويت.

3- إنهاء عمل كل الجمعيات والروابط الطلابية التابعة لعمادة شؤون الطلبة.

4- إنهاء القوائم الطلابية والعمل الطلابي المنظم.

النقطة المحورية الثانية أن هذا المقترح يؤسس لمرحلة جديدة من الاحتقانات ضمن تداعيات مرحلة الصوت الواحد، سيعاد فيها خلق "الفهم" الطبيعي لجوهر مؤسسات المجتمع المدني وشكلها ودورها وطريقة تأسيسها، ففي الأوضاع الطبيعية وبدون توجيه من السلطة أو أي جماعة ضاغطة تبرز حاجة ما لتنظيم مهنة، أو تفرض ظاهرة نفسها على المجتمع يتبعها تداعي مجموعة من الأفراد، يجتمعون بإرادتهم الحرة لتأسيس جمعية هم من يقررون عبر الجمعية العمومية التأسيسية- وكيفما أرادوا- أهدافها وآلياتها وعدد مقاعد أعضاء هيئتها الإدارية، ويأتي دور الدولة في وضع قانون "منظم" شامل جامع يخرج من البرلمان لأجل تنظيم عملية الإشهار وخدمة تلك المؤسسات لا لتقييدها أو "عكس" عملية تأسيسها؛ لتصبح الدولة لا الناس هي من يقرر: نريد اتحاداً للطلبة أو رابطة لمشجعي الشيوخ، ومعها بالمرة جمعية لحماية "البشوت" من التلف.

وخلاصة القول في النقطة الثانية، أن مقترح القانون الجديد إذا صدر رسميا فسيخلق صداماً داخل المجتمع والجامعة بين شريحة كبيرة من الطلبة والقوائم الطلابية داخل الكويت وخارجها تريد الإبقاء على اتحاد الطلبة الذي تأسس عام 1964م، وهم بالمناسبة ليسوا جميعهم "إخوان مسلمين"، وبين شريحة ستؤيد اتحاد الطلبة الهجين، ومن خلال هذا الصدام ستدخل الكويت في دوامة بسبب ضحايا عقوبات القانون الجديد الذي يعاقب "الطلبة" بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سنة، وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تجاوز ثلاثة آلاف دينار لكل من استمر بمباشرة أعمال اتحاد الطلبة بعد العمل بالقانون "المقدس"، وهنا تتوقف النظرة القاصرة للمشرع المنتقم الذي يعتقد أن العقاب سيطول فقط أعضاء الهيئة الإدارية من قائمة "الإخوان المسلمين"؛ لأنه نسي أن "الإخوان" يحتاجون لعملية انتخابية كاملة فيها قوائم ومصوتون حتى يصلوا إلى مقاعد اتحاد الطلبة، وهو ما يعني أن دائرة الحبس والغرامة ستطول عشرات المرشحين ومئات المصوتين وآلاف الهاشتاقات.

النقطة المحورية الثالثة، هي أن التشريعات المرحلية الانتقامية قد تحقق بعض الأوهام والنتائج السريعة لإبعاد طرف ما عن الساحة، لكن آثارها في جوانب أخرى ستكون مدمرة لأن الصوت الواحد سيكرس الانقسامات الموجودة أصلا ويعمقها في مرحلة عمرية مبكرة، بشكل سيجعل الإبقاء على اتحاد الطلبة بشكله الحالي الفاقد للفاعلية أهون بكثير من خلق متوالية من الصدامات لن يتحمل وزرها سوى من شارك في إطلاقها.

وأختم القول: لو كان الصوت الواحد هو العصا السحرية لحل مشاكلنا لظهر لنا برلمان غير البرلمان، وحكومة غير الحكومة، ولكننا نلفّ وندور حول العلل الحقيقية المتمثلة بنا كشعب سكنته مشاعر الغضب والإقصاء، وحكومة أقصى طموحاتها أن ينتهي اليوم دون أن ينتبه أحد لوجودها.