كما ذكرنا في مقالات سابقة فإن خطط الحكومة "التنموية"، تتنبى النهج الاقتصادي النيوليبرالي الذي يُركّز على الخصخصة، وتقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي بالرغم من الفشل الذريع للسياسات النيوليبرالية في كثير من دول العالم مثل الأرجنتين واليونان وإسبانيا والبرتغال وأيرلندا وتركيا، فضلا عن دول عربية مثل مصر وتونس اللتين حققتا نموا اقتصاديا قبيل الثورات أشاد به صندوق النقد الدولي، ولكنه نمو مشوه لا علاقة له بالتنمية الحقيقية التي تستهدف تحقيق التوزيع العادل للثروة، والعدالة الاجتماعية، ورفع المستوى العام للمعيشة.

Ad

 اليونان حاليا، على سبيل المثال لا الحصر، تبحث عن بدائل تنموية جديدة بعد أن أنهكت الشعب اليوناني السياسات الاقتصادية النيوليبرالية وإملاءات "الترويكا" (صندوق النقد والمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي) فرفضها، في حين تُصرّ حكومتنا على تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي، وهي عبارة عن حزمة سياسات نيوليبرالية مستهلكة، مثل الخصخصة والسوق المنفلت من دون ضوابط، والتي أثبتت تجارب دول كثيرة لديها اقتصاد منتج وقطاع خاص حقيقي أن نتائجها على المجتمع سلبية للغاية، لا سيما فيما يتعلق بتركز الثروة في أيدي القلة، وزيادة الفوارق الطبقية (ثراء فاحش وفقر مدقع نتيجة عدم العدالة الاجتماعية وتدمير الفئات والشرائح الوسطى)، وارتفاع معدلات البطالة التي وصلت في بعض الدول كاليونان وإسبانيا والبرتغال إلى نسب قياسية كانت الوقود الذي أشعل المظاهرات الضخمة والغضب الشعبي العارم ضد سياسات الحكومة اليونانية السابقة، وهو الأمر الذي أوصل حزب "سيريزا"، المعارض بقوة للسياسات النيوليبرالية، إلى السلطة، ومن المتوقع أن يخطو خطوه حزب "بوديموس" في إسبانيا، وأحزاب المعارضة في البرتغال، وهو ما يشكل قلقا بالغا لدول الاتحاد الأوروبي عامة وألمانيا على وجه الخصوص.

المشكلة لدينا أن أغلب المنتمين إلى الفئات الوسطى والطبقة الفقيرة لا يعون طبيعة المشاكل المعيشية الصعبة التي ستسببها لهم السياسات الاقتصادية النيوليبرالية مثل الخصخصة، وإلغاء الدعم الاجتماعي، وإطلاق يد السوق، فيظنون، على غير الحقيقة، أنها سياسات اقتصادية مفيدة بالنسبة إليهم ستحسن مستوى الخدمات العامة مثلما تُسوّق لها بشكل مُضلل وسائل الإعلام المملوكة لمجاميع تجارية متنفذة، فتصورها على أنها هي الحل السحري لتردي مستوى الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والإسكان والكهرباء والماء.

 أضف إلى ذلك أن المجاميع السياسية الناشطة في المجال العام، باستثناءات قليلة جدا، تنشغل وتشغل الناس معها في متابعة الشأن السياسي اليومي، لاسيما القضايا التي تتعلق بالانتخابات ومجلس الأمة، ولا تولي السياسات الاقتصادية للحكومة الاهتمام المطلوب بالرغم من تأثيرها المباشر على معيشة الناس، ناهينا عن أن السلطة السياسية، في أي دولة من الدول، تابعة للسلطة الاقتصادية.