أود في البداية أن أزف أجمل التهاني والتبريكات لك يا صديقي المدير الجديد على ترقيتك، وأسأل الله أن يبارك لك فيها... والآن بعد أن أصبحت في مصاف المديرين، تلك الطبقة المحظوظة، بجدّك وتعبك وأقدميتك، بودّي أن أسدي لك بعض النصائح من صديقٍ صدوق، راجياً أن تلقى هذه النصائح آذاناً واعيةً وقلباً صاغياً:

Ad

اعلم- يا رعاك الله- أولاً أن ما أهّلك لهذه الترقية كموظف قد لا ينفعك في منصبك الجديد كمدير، فكونك كنت أفضل المهندسين أو القانونيين أو المحللين أو المدرسين أو الأطباء... إلخ، لا يعني أنك ستصبح مديراً جيداً بالضرورة، فالبون بين المنصبين شاسع، فما احتجت إليه من علم ومهارات وكفايات لتتفوق في الوظيفة السابقة قد لا يكفي أو ينفع في وظيفتك الجديدة كمدير.

واعلم كذلك أن ترقيتك كمدير لا تعطيك غير بعض الامتيازات الوظيفية وبعض الوجاهة الاجتماعية، وأنها لا تكسبك احترام أتباعك ومرؤوسيك بصفة تلقائية، فالاحترام مكتسب ويجب أن تكد لتحصل عليه، ولا تكفي الترقية لعمل ذلك بالنيابة عنك، ولا تعني الترقية الطاعة العمياء من المرؤوسين، والتسليم بكل ما تقوله أو تأمر به، ففي الأسابيع (وأحياناً الشهور) الأولى من ترقيتك، أنت تمر في فترة اختبار وفحص وتمحيص شديد من قبل مرؤوسيك، حتى يقرروا خلالها أو في نهايتها فيما بينهم ما إن كنت جديراً بهذا المنصب أم لا.

وأود كذلك أن أهمس في أذنك بأمر لا بد أن تدركه جيداً، وتدركه بجميع حواسك، وحقيقة هذا الأمر هي أن هذه الترقية وكونك أصبحت في مصاف المديرين، لا تعني أنك أصبحت قائداً بعد، والفرق بن الأمرين واضح كالشمس في رابعة النهار.

لكن الإيجابية في موضوع الترقية في أنها أعطتك الفرصة والمساحة لتصبح قائداً، أو بعبارة أدق أعطتك الفرصة لتأهيل نفسك لاستحقاق شرف القيادة، هذا التأهيل يبدأ من مفهوم بسيط وخطير جداً في آن واحد، هذا المفهوم هو أن الناس (أو الأتباع) يريدون أن يقادوا لا أن يداروا، بل الواقع هو أن الموضوع أكبر من إرادتهم، الموضوع متعلق بحاجتهم، الناس بحاجة لأن يقادوا، وإذا كنت قد عانيت من قبل في إقناع الناس بأفكارك ورؤيتك وتصوراتك، فلربما كان ذلك بسبب أنهم شعروا بأنهم يدارون لا أنهم يقادون، شعروا أنهم ترس في آلة يُملى عليهم ما يفعلون ولا يُسألون عن آرائهم، ولا أهمية لوجودهم في عملهم أو حتى إنسانيتهم، ومتى ما تجذر ذلك فيهم ركنوا إلى الصمت، واحذر صمت الأتباع أشد الحذر، فصمت القبور هذا هو صراخ بأعلى الصوت على أنك قد فقدت أو على وشك أن تفقد أتباعك، فهم بصمتهم يرون ألا فائدة من الحوار معك أو تنبيهك أو مناقشتك، وأنهم تركوك لوحدك في الميدان تدير مجموعة من الجثث الهامدة! وأفضل ما يمكن أن تستخرجه من هؤلاء الناس في هذه الحالة هو الامتثال والإذعان بكل ما يعكسه من أداء متواضع ولا مبالاة لأنهم لا يرون الجدوى في غير ذلك!!

وإذا– على العكس- اخترت أن تقود الأتباع لا أن تديرهم فستجد منهم الالتزام وهو نقيض الإذعان، وستجد منهم التفاني والإخلاص، ستجدهم يقومون بأعمال تتعدى ما تنص عليه الأوصاف الوظيفية لوظائفهم، وستجدهم حريصين أشد الحرص على ألا يخذلوك أو يخذلوا أنفسهم، ونتائج أعمالهم ستتحدث عن نفسها بكل فخر.

واعلم أن بناء الثقة بالمكان الجديد مع الأتباع الجدد هو أساس القيادة، ويجب أن تبني هذه الثقة بشكل متدرج وتصاعدي، وهذه لا تأتي بالجلوس خلف المكتب مختبئاً خلف اللقب على الطاولة، بل يجب النزول للميدان والسعي حثيثاً للتفاعل مع الأتباع وكسب ثقتهم، فبدون الثقة أنت قائدٌ بالاسم فقط، فلا تكن كذلك.

وعندما يثق الأتباع بك وبدوافعك، تبدأ المهمة الأهم وهي أن تبدي العناية والاهتمام الشخصي واللمسة الحانية والاحترام لهم كأناس وبشر، وأنهم أهم لديك من العمل نفسه، لأنهم إذا شعروا أن العمل والإجراءات والنتائج أهم منهم فسينعكس ذلك سلباً على معنوياتهم وسيلحق ذلك حتماً رصيد الثقة بينكم.

ولا تنس أبداً أن اللقب أو المنصب لا يجعلان منك قائداً، بل ما يجعلك قائداً في الحقيقة هو الفرق الإيجابي الذي تشكله في حياة الأتباع، هذا الفرق هو نتاج القيادة الرائدة.

صديقي المدير الجديد: قد أكون أطلت عليك بعض الشيء ولكني عليك مشفق وحريص؛ لذا وجبت الإطالة.

... ومنها لأعلى!

 همسة أخيرة: إذا لم تصل إلى هذا المنصب بجدٍ واجتهادٍ وتعبٍ ونصب، فالرجاء إلقاء رسالتي في سلة المهملات.