يعد اختيار الضابط المتقاعد خالد العبيدي لوزارة الدفاع العراقية نصراً لأسرة النجيفي الموصلية، التي يحتفظ ابنها أثيل بمنصب محافظ نينوى، وانتقل ابنها الآخر أسامة من منصب رئيس البرلمان إلى موقع نائب رئيس الجمهورية، وواجه الشقيقان حملة تسقيط مزدوجة شنها متشددون شيعة اعتبروا آل النجيفي مجرد تابع للرياض وأنقرة، بينما راح ساسة سنّة من مدن أخرى يستكثرون عليهم الجمع بين زعامة نينوى وزعامة كتلة «متحدون» النيابية، أكبر تجمع للمحافظات السنية.

Ad

واستمر الصراع على وزارة الدفاع نحو شهرين بين الأنبار ونينوى، أبرز محافظتين سنيتين، تتميز الأولى بقبائلها المحاربة التي يراهن عليها الأميركيون في إعادة ترتيب الوضع الأمني بالعراق، وتتفاخر الثانية بامتلاك مئات الضباط الخبراء، حيث تعد الموصل تقليدياً منبعاً لأبرز جنرالات الجيش العراقي.

ورغم أن رئيس الوزراء حيدر العبادي كان يصر على ترشيح شخصية مدنية من الأنبار لحقيبة الدفاع، فإن أسرة النجيفي تمكنت من فرض مرشحها العبيدي، النائب في «متحدون»، والذي عمل مستشاراً أمنياً لأثيل النجيفي طوال الأعوام السابقة.

وكان العبيدي شاهداً على سقوط الموصل بيد «داعش» في يونيو الماضي، بحكم عمله مستشاراً، وورد ذكره في تقرير أميركي شهير نشر أخيراً شهادات عن سقوط الموصل، كأحد الأطراف التي كانت تحاول حث ضباط الجيش على ضرب «داعش» قبل أن يعبروا نهر دجلة نحو الجانب الشرقي من نينوى، وذهبت محاولاته أدراج الرياح.

والصيف الماضي، كان العبيدي يتحدث بألم عن كونه تلميذاً لعبود كنبر، الجنرال الذي اعتُبر مسؤولاً عن الانهيار العسكري الأخير، وكان مستغرباً أداء أستاذه، ولا يجد تفسيراً لعجزه عن تحريك القوات طوال يومين من عملية استيلاء «داعش» على ثاني أكبر محافظات البلاد.

وكتب أثيل النجيفي، في حسابه على «فيسبوك»، تهنئة لمستشاره الأمني الذي أصبح مسؤولاً عن جيش منهك يحتاج إلى إعادة تسليح وتدريب وإصلاحات إدارية حساسة، وسط استقطاب طائفي، ما يجعل أسرة النجيفي قريبة من صفقات تسلّح بمليارات الدولارات، وصفقات سياسية لإعادة تعريف الدور الأمني لبغداد والمحافظات السنية، بإشراف أميركي.

لكن النقطة الأخيرة بدأت تصبح مناسبة لصراع سني - سني، فقد جرى استئناف الصراع على الزعامة، وعلى تحديد الطرف الذي سيحاور واشنطن ويبرم صفقات معها. فهناك البعثيون، ومقاتلو العشائر، والأحزاب السنية الموجودة في البرلمان.

ومن المتوقع أن تكون في هذا الإطار عملية انتقاء أميركية لمن سيتزعم جهود طرد «داعش»، كأمر ينتج خليطاً متصارعاً من الزعامات بين الموصل والأنبار وتكريت، ويكشف خلطة المصالح المعقدة والمتناقضة، والتحديات التي يواجهها السنة لبناء مرجعية سياسية شاملة تدير الخلافات داخل الطائفة، مقابل تماسك أكثر لدى الشيعة والأكراد المتحصنين بمرجعية دينية وقومية.

وإذا كان الموصليون نجحوا نسبياً في ترتيب بيتهم السياسي، فإن تكريت والأنبار بطابعهما العشائري يشهدان تنافساً رهيباً لإثبات الأكفأ والأقدر أمام جنرالات واشنطن المنهمكين في تحديد الأطراف التي ستعتبر رأس الرمح في مقاتلة «داعش»، ووضع نواة القوة السياسية والأمنية في المحافظات السنية، بما يعنيه ذلك من تدفق للمال والسلاح، سواء من بغداد أو واشنطن.

ولعل اختيار وزير للدفاع مقرب من الأخوين النجيفي ويقبله الأميركيون، ويضطر العبادي إلى قبوله، بسبب خبرته وسمعته، أمر سيلقي على كاهل الموصل مسؤوليات جديدة، في محاولة ترتيب البيت السني، الذي يواجه ضربات قاتلة من «داعش»، وشكوكاً قاتلة أيضاً من الشريك الشيعي المرتاب بكل ما حوله.