انطلقت، في اجتماع تاريخي الأسبوع الماضي لمجلسي الوزراء والأعلى للتخطيط، عجلة الإصلاح الاقتصادي الموعود – كما ترى الحكومة ومناصروها- بدفعة قرارات برفع الدعم عن مجموعة من المنتجات البترولية ومقترحات بزيادة أسعار الكهرباء والخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وفقاً لدراسات أعدتها لجان اقتصادية في مجلسي الوزراء والأعلى للتخطيط، ووفقاً كذلك للدراسات المقدمة من جهات دولية منتقاة!

Ad

القرارات الاقتصادية التاريخية سترفع أسعار الكهرباء وفقاً لشرائح، وهو ما سيجعل صاحبة راتب "الشؤون"، إن لم تستطع أن تتحكم في استهلاك أبنائها في بيت الدخل المحدود، تدفع فاتورة الكهرباء، كما يدفعها صاحب السعادة لإنارة قصره! وزيادة سعر الديزل ستجعل تكلفة الأسمنت الجاهز أعلى على الموظف الشاب الذي يبني بيت العمر لأسرته بنفس مقدار تكلفة من يبني شاليهاً للترفيه، ورفع الدعم عن الكيروسين سيضاعف سعر خبزة التنور التي تشتريها الأرملة، كما تباع لـ"دري ويل" المعزب، كما أن زيادة سعر وقود الطائرات سيزيد سعر تذكرة العمرة على المتقاعد بنفس مقدار ما سيضاف على سعر تذكرة الدرجة الأولى التي يشتريها "الهامور" لرحلة جنيف في العطلة!

وعندما يتساءل البعض، ممن يطلع على هذه القرارات، عن قوانين الضريبة على أصحاب الدخول العليا التي يجب أن تسبق أي رفع لأسعار السلع والخدمات؟ فمثل المعتاد لن يرد عليهم أحد، بينما سيصرخ الفقير المسكين المضلل من "قمة رأسه"، لا نريد ضرائب، وهو لا يعلم أنهم سيأخذون منه هو الضرائب من خلال رفع الدعم ورسوم الخدمات، وسيسحبونها من جيبه دون أن يدري، بينما الشركات الأجنبية وبعض وكلائها سيأتون ويأخذون مناقصات "مضروبة" بأسعار "منفوخة" خيالية، ويرحلون بالمال دون أن يدفعوا فلساً واحداً للدولة، كما رحلت الــ37 مليار دينار -التنمية- في السنوات السابقة؟! وراجعوا قانون "الأوفست" ومصيره ومصير أمواله، وإن كان "الأوفست" ليس بديلاً عن ضريبة الدخل.

لذا سنكرر أن إصلاحاً اقتصادياً يعتمد على جيوب الطبقات المتوسطة وذات الدخل المحدود، دون أن يبدأ بالمستفيدين الكبار من ثروة البلد، هو مشروع فاشل، سيؤدي إلى استهداف استقرار "الديرة" الاجتماعي، وزعزعة أمن الوطن، فلا يجوز أن يقطع الماء في الصيف عن أرملة لأن زوجها توفي دون أن يكمل سداد أقساطه بسبب خلل إداري في تحصيل الفواتير خلال الـ15 عاماً الماضية، في حين أن نصيبها من راتب زوجها المتوفى لا يمكنها من أن تسدد التزاماته، بينما مئات الملايين من أموال الدولة مهدرة في مشاريع ومناقصات وعمولات تئن بها ملفات النيابة العامة وتقارير ديوان المحاسبة!

والحقيقة التي يتهرب منها "الكبار"، ولا يستطيع فهمها أغلبية العامة المضللين، أن إصلاحاً اقتصادياً جاداً وحقيقياً وعادلاً لا يمكن أن ينجز، دون أن تترافق معه قوانين ترشيد استهلاك السلع المدعومة والخدمات التي سترسل إلى مجلس الأمة مع قانون ضريبة الدخل على أصحاب الدخول العليا والشركات العائلية والخاصة وتقنين الهدر في مشاريع الدولة وتغليظ عقوبات التجاوز والتلاعب بها، ودون ذلك فهو عبث دون جدوى وظلم على العامة من الكويتيين وعلى ثرواتهم الوطنية.