السبب الرئيس في ابتعاد فاتن حمامة عن المسرح، برأي الممثلة القديرة سميرة عبدالعزيز، اعتمادها الهدوء والبساطة في التعبير مع الالتزام بالنص والكلمة، «فلم  تخرج عن النص يوماً رغم نجوميتها، لأنها نشأت على هذا الخط في مجال التمثيل الذي خاضته منذ طفولتها، وهذا مغاير للعمل في المسرح».

Ad

تضيف: «كانت سيدة الشاشة العربية تتحسس خطاها الفنية ولا تخوض أي تجربة قبل أن تتأكد من نجاحها، لذا خوضها تجربة المسرح كان مغامرة غير محسوبة، خشية الإخلال بالسينما التي عشقتها».

تؤكد عبدالعزيز أن انشغال فاتن بحياتها الخاصة والأسرية أبعدها عن المسرح، لا سيما «أنه يعيقها عن التركيز في شؤونها الخاصة، ويتطلب مجهوداً بدنياً وفنياً، بالإضافة إلى الالتزام بمواعيد العرض والتمارين. ومن يعرف فاتن حمامة شخصياً يلمس مدى التزامها بمواعيدها ومحافظتها عليها، وكان المسرح سيعيقها ويعطلها عن السينما التي اعتبرتها بيتها الأول».

انشغال بالسينما

تعزو الممثلة سميحة أيوب ابتعاد فاتن حمامة عن المسرح إلى انشغالها بالسينما، بالإضافة إلى أن المسرح لم يستهوها، تقول: «فنانون كثر لا يميلون إلى العمل فيه وابتعدوا برغبتهم. سنجد مثلاً فناناً يفضل السينما وآخر يفضل الدراما التلفزيونية وثالثاً يفضل المسرح وهكذا». تضيف: «لم يكن حصول فاتن حمامة على لقب سيدة الشاشة العربية من فراغ بل لعشقها للسينما وتكريسها وقتها ومجهودها لها، ومن الصعب أن تجد فناناً أخلص لوسطين فنيين».

تتابع: «لا تقدم فاتن حمامة إلا ما تحبه، لذا نجحت، ومن هذا المنطلق لم تدخل تجربة المسرح، لأن السينما أسرتها بحبها، إذ قدمت أعمالاً تراجيدية مغموسة بأزمات المجتمع المصري، على غرار: «الحرام» و{دعاء الكروان» و{أريد حلاً»، التي اعتبرت ضمن كلاسيكيات السينما العربية، وكانت وراء تغيير بعض القوانين، ما يدل على نجاح منقطع النظير، فلماذا تخوض تجربة المسرح؟».

بدوره،  يرى الناقد المسرحي أحمد سخسوخ أن الممثل المسرحي الرائد زكي طليمات وراء ابتعاد سيدة الشاشة العربية عن المسرح، فقد وصفها بأنها تملك فطرة سليمة وخصبة وتؤدي أدوارها بإحساس عميق يرتسم في أعضاء جسمها مثل آلة الكمان أو العود، وصوتها ضعيف إنما ثاقب وساخن ينفذ إلى القلب. لكن عليها التدرّب لتتحكم في علوه، ليصل إلى آخر متفرج، وهو ما يحتاج إليه ممثل المسرح.

يضيف: «خلال دراستها في «المعهد العالي لفن التمثيل العربي»، الذي أعيد افتتاحه عام 1944 بعدما أغلقت أبوابه 13 سنة، شاركت فاتن حمامة في أكثر من مسرحية، من بينها «البخيل» بمشاركة زملائها في الدفعة، ورفضت أكثر من مرة تقديم مسرحية للجمهور لانشغالها منذ صغرها بتقديم أعمال سينمائية».

يشير سخسوخ إلى أن سيدة الشاشة العربية كرَّست حياتها للسينما. في التاسعة من عمرها (1940) قدمت كماً من الأفلام في السنة والواحدة، ولمدة أربع سنوات قبل التحاقها بالمعهد مباشرة، وخلال سنواتها الخمس في المعهد قدمت نحو 23 فيلماً، وهذا الرقم لم يتجاوزه إلا إسماعيل ياسين الذي قدم أكثر من فيلمين في الشهر.

أداء هادئ

يوضح الناقد الفني نادر عدلي أن فاتن حمامة تميّزت بأداء هادئ وبسيط وصوت منخفض، وهذه المقومات لا تتناسب مع المسرح الذي يتطلب انفعالات مبالغاً فيها، نظراً إلى تفاعل الجمهور المباشر مع الفنان.

يضيف أن سيدة الشاشة العربية لم تتلق عروضاً مسرحية مناسبة لها، واعتُبرت شخصية سينمائية فريدة راقية الأداء، فرغم تعاملها مع الفنان الكبير يوسف وهبي في أكثر من عمل، إلا أنه لم يطلب منها المشاركة في مسرحية معه.

يتابع: «في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، اتسم أداء الممثلين بالمبالغة والانفعالات الشديدة على غرار يوسف وهبي وغيره من ممثلي المسرح، إلا أن فاتن حمامة رفضت هذه الطريقة»، مشيراً إلى إخلاصها للفن السابع وتجاهلها المسرح، وقد حدث ذلك مع الدراما التلفزيونية ولكن بنسبة أقل».

يسأل: كانت تعشق السينما، وتفوقت على زميلاتها وقدمت أفلاماً باسمها، فلماذا تذهب إلى المسرح؟ خصوصاً أنها كانت تحتاج إلى تدريب حتى تعتلي خشبته.