تشير بعض التقارير إلى أن قوات بشار الأسد الجوية، في مناورة تكتيكية جامحة، تنفذ غارات جوية داعمة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فبينما تتقدم قوات "داعش" في مدينة حلب التي يسيطر عليها الثوار المعارضون للأسد، أفادت صحيفة New York Times قبل أيام أن قوات الأسد الجوية بدأت تمهد الطريق أمام اعتدائهم الأخير على المدينة.

Ad

 كذلك طرح ماكس بوت نظرية أن هذه المناورة تهدف إلى ضمان بقاء نظام الأسد البديل الوحيد للهيمنة الإسلامية في سورية الذي يعتبره الغرب مقبولاً، ويوافقه محلل معهد دراسة الحرب كريستوفر كوزاك الرأي، فقد أخبر Business Insider: "ما زال النظام يشعر أنه إن ظل هو وجبهة النصر وداعش في نهاية المطاف الخيارات الوحيدة المتبقية، فلا مفر من الوقوف إلى جانب الأسد"، ولكن هل يتمكن نظام الأسد من الاستمرار طويلاً ليقدم للغرب خياراً غير مثالي؟ وهل شارف نظام الأسد على الانهيار؟ قد يكون كذلك، وفق أحد التقارير الأخيرة.

تشير كتابات الصحافي المحلل في Washington Post ديفيد إغناطيوس إلى أن سورية ما بعد الأسد ستتحول قريباً إلى واقع ملموس على الأرجح، ولكن لا أحد يعلم يقيناً ما الشكل الذي سيتخذه هذا الواقع، والأقل وضوحاً أن هذا الوضع الطبيعي الجديد سيكون بالتأكيد وضعاً ترتاح له الولايات المتحدة.

يذكر إغناطسون أن مسؤولاً استخباراتياً أميركياً لا يحدد هويته أعلن: "يواجه الأسد خيارات صعبة مع تراكم الخسائر في ساحة القتال، وبالاستناد إلى الخطوط الواضحة راهناً، حان الوقت للتفكير في سورية ما بعد الأسد".

يلاحظ المسؤولون الأميركيون تراكم الضغط على الأسد من الجهات الأربع، فقد سيطر ائتلاف قوي جديد للثوار يُدعى جيش الفتح، ويتلقى الدعم من تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، على محافظة إدلب في أواخر الشهر الماضي، وتُقاتل بشراسة إلى جانب هذا الائتلاف جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، كذلك بدأ أخيراً الثوار المعتدلون المعروفون بـ"الجبهة الجنوبية"، والذين يحظون بالدعم من الولايات المتحدة والأردن، يحققون بعض التقدم في جنوب سورية، أما "داعش" التنظيم الأكثر إثارة للخوف والرعب، فيوسع انتشاره في شمال سورية ووسطها وشرقها.

إن كان هدف الأسد توليد الانطباع أن العالم سيكون أفضل مع بقائه في السلطة، مهما بدا هذا الاقتراح بغيضاً، يبدو أن مَن يرغبون في خلافة هذا الحاكم السوري المستبد يساهمون إلى حد كبير في دعم حجته هذه، ولكن لا داعي لأن يكون الوضع كذلك.

عندما حاول الرئيس باراك أوباما بتردد حشد الدعم المحلي لمهمة تتابع العمل على "الخط الأحمر"، الذي حدده هو بنفسه لاتخاذ الخطوات في سورية، كان يقوم بذلك دفاعاً عن عرف دولي متبع منذ زمن يمنع استخدام الأسلحة الكيماوية في المعارك، فكم بالأحرى استعمالها لقتل المدنيين؟ ولكن باختياره المخرج السهل الذي قدمته إليه موسكو المخادعة، حظر أوباما استخدام هذه الأسلحة، إلا أنها ظلت عنصراً مهماً في الاستراتيجية السورية لمحاربة التمرد.

لكن الدمج العشوائي لائتلافين دوليين منفصلين يتدخلان اليوم في سماء سورية والعراق (كما لو أنهما صراعان مختلفان) يشير إلى أن من الممكن التوصل إلى اتحاد من نوع ما، فلو تدخلت الولايات المتحدة وشركاؤها المستعدون لدعم الثوار في سورية عام 2013 بغية معاقبة حكومة الأسد، لنجحت تلك الأمم على الأرجح في صوغ استراتيجية تحتوي على ما تبقى من نظام الأسد، وبالتالي الحرب الأهلية في سورية.

حتى لو لم تتوافر أي مكونات على الأرض لدعم هذه الحملة، كان ضعف النظام السوري سيمنح الثوار المناهضين للأسد هدفاً أكثر إلحاحاً وإغراء في دمشق، بدل ذلك الممتد بعجز على الجانب الشرقي من الحدود السورية مع العراق، أما بالنسبة إلى مَن يؤكدون أن إطاحة الغرب بنظام الأسد كانت ستؤدي إلى تحول سورية إلى نموذج للدولة الخاضعة للهيمنة الإسلامية، فيبدو أن هذا الواقع أرجئ سنتين فقط، وأن العراق ضاع خلال هذه الفترة الانتقالية.

يفيد إغناطيوس: "ترفض الولايات المتحدة العمل مع جبهة النصرة، معتبرة إياها مجموعة من أنصار القاعدة الأشرار، مع أن بعض التقارير تشير إلى أن هذه المجموعة تلقت دعماً غير مباشر من تركيا وقطر، ولم يقتنع المسؤولون الأميركيون بمقابلة بثتها قناة الجزيرة قبل أيام مع زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني، فقد أدلى خلال هذه المقابلة بتصريحات استرضائية موجهة إلى مجموعات تشكل أقلية في سورية، وأكد أن قتاله ليس مع الولايات المتحدة.

لا شك أن أي مراقب محايد يستطيع أن يرى اليوم النتائج الكارثية لتردد الغرب المتهور، فقد تحول الخيار الأقل جودة في غضون سنتين فقط إلى وضع مأساوي، ويجب أن يحمل هذا درساً لكل مَن يدافعون اليوم ببسالة عن سياسة جبن تتخفى وراء قناع الحذر.

نوح روثمان