اليوم يجني البلد نتائج سنوات من التراخي والتهاون في ملفات خطيرة وحساسة كانت تطرح بقوة، وكان الرد حيالها بالغ الاستخفاف والتجاهل بحسن نية حيناً وسوء نية أحياناً، فمنذ بداية تدفق الفوائض المالية الضخمة في عام 1999 أصابت قطاعاً كبيراً من المتنفذين حالةُ «سُعار» على المال، وهو وباء انتشر بعد ذلك، وأصبح البلد في حالة جنون المال والحصول عليه بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فتفشت الآن قضايا الاتهامات بالرشوة والثراء غير المشروع دون وجود مرجعية قانونية معتبرة تفند ذلك أو تثبته وتعاقب مرتكبه، كما حدث في قضية الإيداعات وحالياً الحيازات العقارية المتضخمة لوزراء ونواب حاليين وسابقين.

Ad

العبدلله كاتب هذه السطور من أوائل الذين نشروا مقالات عدة طالبت فيها بضرورة إقرار فوري وسريع لكشف الذمة المالية للقياديين والسياسيين عبر قانون فعال وصارم منذ كنت في الزميلة «القبس» في بداية الألفية، لأن كمية الفوائض والأموال التي تدفقت على البلد من النفط والتعويضات عن الغزو العراقي الغاشم كانت ضخمة جداً جداً، وأصبحت تسيل لعاب «أتخنها شنب... وأطولها لحية»!... وكنت من ضمن الذين يرون أنها ستفجر لاحقاً سلسلة من الفضائح المتعلقة بالذمم المالية، لأن الشغل الشاغل في البلد أصبح هو «اغنم حصتك من الفوائض» في ظل غياب مشروع وطني حقيقي للتنمية وتوجيه أموال الدولة الفائضة لاستثمارات يستفيد منها عامة المواطنين عبر شركات مساهمة عامة تمر خلالها فقط مشاريع التنمية الكبرى.

ورغم الحركات الاستعراضية بتقديم بعض النواب لذممهم المالية بشكل فردي دون وجود آليات قانونية للتعامل معها ومتابعتها، فإنها كانت مبادرة تحسب لهم، ولكن الأخطر كان غياب أي تحرك في هذا المجال لكشف الذمم المالية لقياديين في جهات وسلطات أخرى حساسة في الدولة، بل المؤلم أن أعضاءها استمروا في الحصول على قسائم ومزارع والتعاقد مع أملاك الدولة، في حين انطلقت بقية فئات الشعب في «هوجة» الكوادر والزيادات المالية بسبب إحساسها بحالة الفلتان في مالية البلد وتوزيع المكاسب.

ولعرض الحقائق، فإنه في مجلس الأمة عام 1992 طرح أول قانون لكشف الذمة المالية للقياديين والسياسيين، ولكنه حورب بشدة من الحكومة وقطاع واسع من النواب، و»نوم» الاقتراح في أدراج اللجنة التشريعية، ثم أتت الحكومة في مجالس أمة لاحقة بفتوى بأن كشف الذمة المالية للقياديين وأقاربهم حرام شرعاً!، وذلك ما أيده وروّجه نواب أصوليون لدفن الاقتراح بقانون في اللجنة، وللأسف فإن بعضهم اليوم من ضمن كشوف الحيازات العقارية المتضخمة!

ما نعانيه اليوم من قضايا تهز أركان مؤسسات الدولة الدستورية، وحالة عدم اليقين والشك لدى الشباب في كل رموزهم وقياداتهم، وشبه الكفر بالقيم، وفقدان المصداقية في آليات عمل الدولة وقدرتهم على تحصيل حقوقهم عبر المواطنة وحقوقهم الدستورية القانونية هي نتيجة لتخاذل الدولة وسياسييها عن معالجة قضايا الإصلاح وتعزيز الشفافية والنزاهة منذ سنوات، وهي بلا شك أمور خطيرة تضعنا جميعاً في مأزق وطني كبير يستوجب أن نعمل بجد على مواجهته عبر عملية تحقيق واسعة وشفافة تجاه كل الاتهامات المثارة على الساحة.

***

ماحدث مساء الاثنين الماضي في الساحة المقابلة لمجلس الأمة على شارع الخليج العربي من استخدام مفرط للقوة تجاه مجموعة من المواطنين هو تطور خطير يضرب مضمون الدولة الديمقراطي ومكتسباتها التاريخية من الحريات، ويستوجب تدخلاً تشريعياً عاجلاً في مواد قانون التجمعات بعد حكم المحكمة الدستورية تجاه القانون القائم حالياً بحيث يمنح المواطنين حقوقهم الطبيعية في الدول الديمقراطية في التجمع والتعبير عن آرائهم.