يقول الله عزوجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"... الشائعات من أقوى الآفات القادرة على تدمير المجتمعات وإحباط أي عمل، وإشاعة اليأس بين الناس وتدمير أية سمعة... الإشاعة ما هي إلا عمل خسيس لا يقدم عليه إلا أصحاب النوايا الخبيثة.

Ad

الإشاعة قد تكون خبيثة هدامة غير أن بعض الجيوش والأنظمة السياسية قد تستخدمها لتحقيق شيء إيجابي للدولة أو للجيوش، لكن الإشاعة في مجملها هدامة، بحيث يستخدمها أصحاب النفوس الضعيفة لهدم أعدائهم الناجحين... وكم من إشاعة تسببت في انهيار أشخاص وخربت بيوتاً ودمرت مجتمعات. الإشاعة انتشارها سهل جداً، ولكن تصحيحها ليس بالأمر الهين، الإشاعة عمل شيطاني يستهدف التدمير والهدم ﻻ الإصلاح، والمسلم منهي عن ترويجها دنيوية كانت أو دينية، إذ قد يتم ترويج إشاعة تتسبب في هزيمة جيش، أو قيام حرب، أو قتل نفس، أو إفساد في الأرض، أو إقامة بدعة لا أصل لها أو هدم سُنة ثابتة في الشرع، أو صرف المسلمين عن قضاياهم المصيرية، وقد يكون مصدر الإشاعة غير المسلمين، لكنها تكتب بما يوحي بالحرص على الإسلام، فينخدع بها المسلمون ليكونوا هم أنفسهم جنوداً في ترويجها.

وكم قرأنا في التاريخ عما يسمي بالحرب الإعلامية النفسية، وكيف تستخدم فيها خبرات خاصة لترويج الشائعات وبث الذعر والخوف في نفوس العدو. والإشاعات ﻻ تنتشر إلا في المجتمعات المتخلفة... والتي قد تكون متعلمة لكنها متخلفة، لأن الجهل والتخلف بيئة خصبة لها، قد تتسبب الإشاعة في توقف قرارات مصيرية وهامة في حياة الشعوب، وذلك لعدم قدرة واضعي القرارت على مواجهتها.

ومنذ فجر التاريخ، والشائعات تنشب مخالبها في جسد العالم كله، لاسيما في أهل الإسلام، يروجها ضعاف النفوس والمغرضون، ويتولى نشرها أعداء الإسلام عبر التاريخ، لاسيما اليهود، من أجل هدم صرح الدعوة الإسلامية، والنيل من أصحابها، والتشكيك فيها، حتى إنه لم يسلم من الشائعات، حتى الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، إذ تعرضوا لجملة من الافتراءات ضد رسالتهم، فكانت تظهر حيناً وتستتر تحت جنح الظلام أحياناً.

فهذا المسيح عليه السلام، تشكك الشائعات المغرضة فيه، وفي أمه الصديقة، حيث حكى القرآن ما كان من أمر هذا التشكك: "يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً"، وعانى نموذج الطهر والنقاء، يوسف عليه السلام، الشائعات المغرضة التي تمس العرض والشرف، وفي هذا الدرب تأتي قصة الإفك المبين، تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات، وهي تتناول بيت النبوة الطاهر، وتتعرض لعرض أكرم الخلق. وتعليقاً على هذه الشائعة تروي عائشة، رضي الله عنها، فتقول: "فمكثت شهراً لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم"، حتى برأها الله من فوق سبع سماوات، رضي الله عنها وأرضاها. وبفعل تطور التكنولوجيا، باتت الإشاعات متطورة، فبضغطة رسالة "واتس آب" قد تنشر إشاعة يضلل بها ملايين البشر وتنهي بها حياة شخص، فضلاً عن وسائل الاتصال الحديثة الأخرى، حيث أصبح العالم قرية صغيرة، فتسري الشائعة الآن في الناس مسرى الهواء، وتهيج فيهم هيجان البحر المتلاطم.

وتكمن خطورة الشائعات في أنها سلاح جنوده مغفلون أغرار، سحرتهم الشائعات ببريقها الخادع، فأصبحوا يرددونها كالببغاوات، دون أن يدركوا أنهم أدوات يستخدمون لمصالح أعدائهم، وهم لا يشعرون، ولذلك علينا جميعاً التحري والتأكد من صدق ما ننقل وننشر، ونكون عامل بناء وخير... ﻻ عامل هدم وشر... الكلمة أمانة، وجميعاً سنسأل عنها أمام الله، عز وجل... سواء كانت منطوقة أو مكتوبة.

يقول الله عز وجل: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ".