إذا كنا نبحث عن دليل على أن التسوية النووية التي عُقدت في جنيف الشهر الماضي بين إيران وقوى العالم الست خطأ فادح، يكفي أن نتأمل تأثيرها النفسي في اقتصاد إيران المنهك بسبب العقوبات. باتت الأدلة على هذا الدعم متوافرة اليوم: ففي غضون ساعات، ازدادت قيمة العملية الإيرانية، الريال، بنحو 5%، كذلك شهدت أسعار أسهم الشركات البتروكيماوية ارتفاعاً كبيراً في بورصة طهران، ما شكل إشارة أكيدة إلى أن الاتفاق مد نظام إيران بحبل إنقاذ اقتصادي، مع أن الغرب لم يحصل في المقابل على تنازلات راسخة أو ذات أهمية.

Ad

بدل الادعاء أن المجتمعات الدولية تقدم لإيران تخفيف عقوبات متواضعاً يمكن الرجوع عنه، يجب أن يكون المفاوضون الغربيون أكثر صراحة ويقروا بأن اقتراحهم شكل هزيمة ذاتية، فلن يكون المستفيد الأول من هذا الاتفاق المواطنين الإيرانيين العاديين، الذين لا ينفك صانعو السياسات الغربيون يعبرون عن قلقهم تجاههم عندما يتحدثون عن خوفهم من تأثير العقوبات. ستذهب الفائدة الكبرى إلى القطاع الصناعي- العسكري الإيراني، والحرس الثوري الإيراني، والقائد الأعلى، علماً أن هؤلاء يُعتبرون المستثمر الأكبر في البرنامج النووي والأقل ميلاً إلى التخلي عن مسعاهم النووي مقابل حوافز اقتصادية.

بتخفيف العقوبات المفروضة على قطاعَي السيارات والشركات البتروكيماوية، تقدم الولايات المتحدة وأوروبا لهؤلاء المستفيدين وفرة من المال. علاوة على ذلك، ستمكن الحكومات الغربية، بالتزامها بعدم فرض عقوبات نووية إضافية خلال فترة الأشهر الستة المقبلة التي يحددها الاتفاق، إيران من توسيع تأثير تخفيف العقوبات على نحو كبير. إذاً، تسمح هذه الصفقة عملياً بالتعامل مع حرس الثورة الإيراني بطريقة غير مباشرة.

لنتأمل في القطاع البتروكيماوي، مجال تصدير بالغ الأهمية بالنسبة إلى إيران، إلا أنه بالغ الحساسية نظرا إلى الطبيعة المزدوجة الاستعمال للتكنولوجيا التي يعتمد عليها.

يرتكز التدخل العسكري في هذا القطاع بشكل رئيس على شركة النفط والغاز الفارسية، التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني من خلال شركة "الغدير للاستثمار" (80.18%)، "مجموعة بهمن" (1.1%)، وشركة "كيا ماهستان" (1.66%)، علما أن القيمة السوقية لشركة النفط والغاز هذه تبلغ نحو 3.83 مليارات دولار. كذلك يتحكم الحرس الثوري في شركة "بارديس البتروكيماوية" (قيمتها 2 مليار دولار)، وشركة "كرمانشاه البتروكيماوية" (قيمتها 527 مليون دولار)، وشركة "شيراز" البتروكيماوية (قيمتها 922 مليون دولار).

نتيجة لذلك، تبلغ قيمة الأصول الخاصة بالحرس الثوري في القطاع البتروكيماوي 7.3 مليارات دولار. أضف إلى ذلك "نفط فارس" و"نفط بهران"، وشركتين يسيطر عليهما القائد الأعلى من خلال "مجموعة راي للاستثمار"، و"مجموعة تدبير ومؤسسة المستضعفين"، علما أن قيمة هاتين الشركتين تبلغ 625 مليون دولار. وبما أن القطاع البتروكيماوي يساوي عموما 25 مليار دولار، يكون ثلثه (8 مليارات دولار) خاضعا عملياً لسيطرة مركزَي قوة إيرانيين مسؤولَين عن انتشار الأسلحة النووية.

لا يُعتبر قطاع السيارات أقل إثارة للجدل، فمع أن العقوبات الأميركية لم تستهدف قطاع السيارات على خلفية الحد من انتشار الأسلحة النووية، فقد استخدمته إيران على مر السنين للحصول على مواد وقطع تحتاج إليها في برنامجها النووي وبرنامج الصواريخ البالستية. فـ"خودرو" و"سايبا"، اللاعبان الأساسيان في قطاع السيارات، تابعان للدولة. وتثير شبكة استيرادهما مخاوف كثيرة، نظراً إلى أن قطاع السيارات يعتمد على مواد أولية وتكنولوجيا مزدوجة الاستعمال، تماماً مثل القطاع البتروكيماوي.

علاوة على ذلك، يستفيد النظام من عائدات هذا القطاع، فيخضع أحد لاعبيه الأساسيين، "مجموعة بهمن"، لسيطرة الحرس الثوري، في حين أن المساهم الأكبر في هذه المجموعة، شركة Bonyad Ta’avon Sepah، يرتبط أيضاً بالحرس الثوري الإيراني. وكما أشار سعيد غسامينجاد في موقع The Times of Israel، تملك شركة "راي للاستثمار" الخاضعة مباشرة للقائد الأعلى آية الله علي خامنئي عدداً من شركات قطع غيار السيارات، فضلاً عن أنها الوكيل الحصري لشركات BMW الألمانية في إيران. أما المساهم الأبرز في شركة "خودرو" الإيرانية، فهو شركة IDRO الإيرانية، كيان حكومي خاضع للعقوبات.

لا شك أن إدارة أوباما ستشدد على أنها لن تخفف العقوبات المفروضة على الحرس الثوري، إلا أن معظم الشركات المذكورة أعلاه لم تُصنف بعد. وإذا أراد الرئيس الأميركي استهدافها بموجب القرارات التنفيذية الصادرة، فستندد إيران بهذه الخطوة، معتبرة إياها انتهاكاً لالتزام الغرب بعدم فرض عقوبات جديدة. كذلك إذا عوقبت الشركات الغربية والآسيوية لأنها تعقد صفقات مالية مع شركات تابعة للحرس الثوري في القطاع البتروكيماوي، فسيسارع الإيرانيون إلى الاستنكار، يبدو أن الإدارة الأميركية لم تمعن التفكير في هذه الثغرة، ولكن من المستبعد أن تعرض للخطر صفقة تعتبرها تاريخية.

إذاً، لا يشكل هذا الاتفاق حافزاً يدفع إيران إلى الالتزام بواجباتها الدولية. على العكس، يقدم لها تخفيف العقوبات الذي تحتاج إليه لتؤمن ما يلزمها من مواد، ويمدها بالمال الضروري لقنوات نشر الأسلحة النووية، فضلاً عن فيض من الأرباح المالية. وبما أن المتوقع من إيران في المقابل قليل، فمن الصعب التصديق أن الغرب يعتبر هذا الاتفاق فكرة جيدة.

هذه صفقة جيدة لإيران، ولكن إذا كان الغرب يرغب في منع إيران من عبور خط النهاية النووي، فلا تشكل هذه الصفقة بالتأكيد الوسيلة المناسبة للمضي قدماً.

إيمانويل أوتولينيEmanuele Ottolengh

Saeed Ghasseminejad