ذكرنا في المقال السابق أن محسن باشا والي البصرة سيزور الكويت للقاء الشيخ مبارك في 27 المحرم 1319 هجري، وأن الشيخ مبارك أبلغ الإنكليز أنه سيستقبله، ولكنه لن يسمح له أن يملي عليه إرادته بالتخلي عن البريطانيين وتحالفه معهم. وقبل أن نأتي على سرد تفاصيل اللقاء الذي تم بالفعل في الفترة المتوقعة، وقعت حادثة مهمة وثقها الوكيل الإخباري لبريطانيا في الكويت علي بن غلوم رضى بتاريخ 2 صفر 1319 في رسالة، وإليكم بعض النصوص الواردة في هذه الرسالة:

Ad

"حضرة جناب الاجل الاحشم العالي الجاه مستر كندي الصاحب نايب خزانة دولة البهية القيصرية في خليج فارس المحترم حرسه الله تعالى وابقاه امين.. اما بعد نعرف جنابكم الشريف تقدم منا كتاب في اخبار الوالي في 27 شهر محرم في بوسطط (بريد) القبطان من الكويت الى الفاوة اجرنا بلم يكون يوصل البوسطط القبطان الى مكينت السركار لاكن من بعد الوصول انوخذة الى الفاوة اخذ البوسطة بيده قاصد الى مكينت السركار قبل وصوله الى المكينة رجاجيل مكينت الحكومة اخذو البوسطة من يد انوخذة وتفرجو فيه خرجو منه ثلاث خطوط واحد لنا مكتوب لكم منا في اخبارات عن الوالي وغيره مكتوب علا جوفه عربي وانجليزي مستر كندي وخطين الثانية من تجار العجم من اهل الكويت الى بوشهر كلهم عليهم تكي يكون عندكم معلوم..." . 

إذن فقد اعترضت سلطات البصرة البريد الرسمي البريطاني الخارج من الكويت إلى بوشهر، وهذه حادثة خطيرة، إذ إنها تعتبر خرقاً للمواثيق والاتفاقيات الدبلوماسية حتى في ذلك الوقت، وللأسف ليس في حوزتي أية وثائق توضح الرد البريطاني على هذه الحادثة. إلا أن الرسالة أوردت أموراً أخرى مهمة، حيث أشار علي بن غلوم إلى وصول والي البصرة محسن باشا إلى الكويت ومعه سبعون عسكري عثماني، ويرافقه عبدالعزيز سالم البدر وكيل الشيخ مبارك في البصرة. يقول في الوثيقة: 

"وايضا من طرف الوالي محسن باشه في 29 شهر محرم وصل الى الكويت والشيخ جابر بن مبارك تلقاه علا ما ذكرنا لكم الوالي نزل على منزل الشيخ مبارك ولا معه احد من اعيان البصرة الا عبدالعزيز بن سالم الذي صاحب الشيخ مبارك نازل في البصرة ومنشي الوالي وقدر سبعين نفر من عسكر الحكومة..." 

وأورد علي بن غلوم أيضاً معلومة لها دلالتها الواضحة في دعم الإنكليز للشيخ مبارك والوقوف معه بحزم وبلا تردد ضد أي تهديد عثماني أو سعي لإزالة حكمه. تقول الوثيقة "وأيضا القبطان الصاحب نزل من المركب علا العادة وجاه عند الشيخ مبارك والوالي محسن باشه جالس سلم على القبطان مباشرة وملاطفة واحترام جراه بين الوالي والقبطان وجلسو بعضهم بعض عند الشيخ مبارك قدر ساعة من بعد قبطان الصاحب سلم علا الشيخ مبارك والوالي ومشا الى المركب." 

ومن المؤكد أن دخول قبطان السفينة البريطانية على الشيخ مبارك وهو في اجتماع مع محسن باشا أمر قد تم التنسيق بشأنه بين الشيخ مبارك والإنكليز، لتوصيل رسالة إلى الأتراك أن بريطانيا تقف بجانب الشيخ مبارك ومستعدة للدفاع عنه. في الحلقة القادمة إن شاء الله سنستعرض شيئاً من الحوار الذي دار بين الشيخ مبارك ووالي البصرة.