ذكرت في المقال السابق شيئاً بسيطاً عن حياة النوخذة والأديب حمد بن مبارك المناعي، واليوم نتحدث عن الجانب الأدبي في حياته، ونبدأ بقصة شرائه ديوان شعر المتنبي. تقول الرواية إن علي بن عمران (من سكان الحي الشرقي) توفي في عام 1920 وترك خلفه مكتبة أدبية تضم العديد من دواوين الشعر وكتب الأدب، وكانت الكتب عموماً في ذلك الوقت ثمينة، ولا يستطيع اقتناءها إلا المقتدرون من أصحاب المال، وينتشر أيضاً تبادل الكتب والاستعارة بين القراء والمهتمين. بعد وفاة علي بن عمران بعدة أيام قرر حمد المناعي وعبدالله بن ناصر بورسلي وآخرون الذهاب إلى مزاد في بيت بن عمران لبيع الكويت، وهناك شاهد المناعي نسخة من ديوان المتنبي فاشتراه بمبلغ أربع روبيات (أي 300 فلس) بعد منافسة مع زميله عبدالله بورسلي.

Ad

 ومنذ ذلك الوقت، انكب المناعي على قراءة الديوان وحفظه عن ظهر غيب، والاطلاع على شروحاته. وكان رحمه الله ذا ذاكرة حادة ويستطيع حفظ معظم القصيدة عند قراءتها من أول مرة (كما يروى عنه).

وقد كان تأثر حمد المناعي بالمتنبي معروفاً لكل من عرفه، لأن شعر المتنبي وسيرته كانا حديث المناعي واهتمامه الكبير في حياته بعد اقتنائه نسخة من الديوان وحتى وفاته. ويمكن القول بأن المناعي كان لا يفترق عن ديوان المتنبي، الذي كان يشاهد معه في معظم الأوقات وخصوصا عندما كان يذهب الى دكان العدواني في الشارع الجديد (كما روى لي ذلك العم عبدالوهاب بن إبراهيم العدواني رحمه الله) أو يجلس في الدواوين مع الأدباء في المساء.

 وعندما ضعف نظره ولم يعد قادرا على القراءة، كان يطلب من جلسائه القراءة في ديوان المتنبي، وكان يصحح لهم إذا وقعوا في نطق كلمة أو نسوا شطراً أو بيتاً من القصيدة. ولكل ذلك، لقبه الناس بلقب "راوية المتنبي"، وعرف بهذا اللقب حتى لمحبي شعر المتنبي وعشاق سيرته من خارج الكويت. وفي عام 1953، زار الكويت الكاتب والأديب المصري الشهير احمد الشرباصي والتقى خلال زيارته بالنوخذة حمد المناعي وتأثر به، فكتب عنه في كتابه (أيام في الكويت) ما يلي: "انه رجل لم يدخل جامعة، لا يحمل شهادة دراسية ولا علمية... ويطالعك فإذا هو اسمر اللون، حاد النظرات، ولكنه باسم في أغلب أوقاته، متوسط الطول، ويميل الى النحول، خفيف الخطوات، هادئ النبرات... رأى الكثير من المشاهد والغرائب، وقاسى العديد من الأهوال والمخاطر، ودرس المختلف من طبائع الناس، لأنه يسوس أثناء الغوص خمسين رجلا... وأبو راشد يحفظ الكثير من شعر النبط وأمثالهم، وهو قوي الذاكرة، سريع الحفظ، حتى ذكر لي انه يحفظ نصف القصيدة الطويلة عند إلقائها من أول مرة".

ومن الروايات التي تروى عنه أنه أحس بصدمة كبيرة بعد تهديد عبدالكريم قاسم للكويت عام 1961 وظل ثلاثة أيام لا يخرج من بيته ولا يأكل الا القليل من الطعام، وفي اليوم الرابع قيل له إن الديوان الأميري يريد محادثته في الهاتف فارتبك أكثر، إذ ظن أن العراقيين قد دخلوا الكويت إلا أن الذي كان على الخط الشيخ عبدالله السالم الذي بادر بسؤال المناعي عن شطر بيت للمتنبي إن كان يذكره، فضحك المناعي وفهم أن الأمور مستقرة والأوضاع تحت السيطرة.

ولا ننسى أيضا أنه كان يرتبط بعلاقة خاصة بكوكب الشرق الفنانة أم كلثوم ويحضر حفلاتها على الدوام. توفي راوية المتنبي حمد المناعي بتاريخ 5 يوليو عام 1972م وخلف من بعده ولداً واحداً هو راشد.