فرحنا عندما ثار المصريون ضد نظام مبارك لأنهم يستحقون الأفضل، وفرحنا عندما انتخب الشعب رئيسه لأول مرة منذ ثلاثين عاماً على الرغم من أن الرئيس المنتخب "إخواني"، وفرحنا مرة أخرى عندما ثار الشعب على رئيسه المنتخب عندما حاد عن أهداف الثورة وأقصى معارضيه وتفرد بالحكم، فالسيادة للأمة، والشعب أراد ألا ينتظر أربع سنوات كي يقول كلمته.

Ad

وقبلنا بتسلم الجيش السلطة في مرحلة انتقالية قد تكون ضرورية، لكن هل القتل والاعتقالات العشوائية وأحكام السجن ومحاربة كل من له علاقة بالإخوان من أحكام الضرورة؟ وهل القانون المقترح بإعدام من يقود مسيرة للإخوان والسجن خمس سنوات للمتظاهر يتماشى مع أهداف الثورة واحترام التعددية السياسية وأبسط حقوق الإنسان؟ قد نختلف فكرياً وسياسياً مع الإخوان المسلمين لكن أن نقبل بتمرير قوانين وممارسات تنتهك حقوق الإنسان ونبررها بحجة أنها موجهة ضد "العدو" فهو ما لا يمكن تبريره لأن المبدأ واحد، فقد تكون سيد الموقف اليوم لكنك معرض لأن تكون الضحية غداً، ومتى ما افتقد المبدأ يكون التناقض سيد الموقف، تماماً كما حدث للإخوان في مصر، ولكل من دافع عن ممارسات مرسي الإقصائية وتباكى على حكمه.   

مثال آخر نجده في تركيا، حيث يستقيل خمسة من أعضاء حزب التنمية والعدالة احتجاجاً على محاولة الحكومة طمطمة قضايا الفساد المتهم فيها أعضاء في الحكومة، ويخرج أردوغان ليهاجم القضاء ويصف التهم بأنها مؤامرة لإفشال حكومته بدلاً من أن يتحمل مسؤوليته ويحاسب المخطئ. ويصفق له كل "إخواني" ناشط ضد الفساد في بلده ويسوق فكرة التآمر ضد "الإخوان" وضد "الإسلاميين" ليلعب دور الضحية.

وفي سورية كذلك، مطلوب منا أن نستنكر جرائم الأسد ضد شعبه، لكن مطلوب منا أيضاً ألا نهمز أو نلمز بما ترتكبه بعض فصائل المعارضة من قتل وتدمير وانتهاكات لحقوق الإنسان وقتل للنساء والأطفال لأنها كلها موجهة ضد "العدو"، ما دمنا في حالة حرب فكل شيء مباح، حتى اغتصاب الفتيات أو ما يسمى بجهاد النكاح.

وفي البحرين، يدافع البعض عن قمع السلطة وانتهاكات حقوق الإنسان والمطالبة بتدخل الجيش ودرع الجزيرة للحد من "الخطر الشيعي" بينما يدافعون عن حقهم في التظاهر ضد حكوماتهم، ويدافع آخرون عن المطالب الإصلاحية في البحرين ويتباكون على قمع المتظاهرين في الوقت الذي ينتقدونها في الكويت ويطالبون السلطة بإيقاع أقصى العقوبة على المتمردين.

الأمثلة على حالات التناقض في المواقف لا تحصى، لكن ما يهمنا الآن هو خطورة تقبل الكثير منا لهذا التناقض بل وتبريره. ليبرالياً كنت أم إسلامياً، عندما تمتلك السلطة وتفتقد المبدأ فلديك كل ما يبرر سلوكك الإقصائي ضد معارضيك، فمعيار الصح والخطأ تحدده الهوية لا القضية. وعندما يفتقد المبدأ... تفتقد المصداقية.