في نوفمبر 2013 تشكلت مجموعة لجان تحقيق وزارية للنظر في المخالفات التي رصدها ديوان المحاسبة في عدد من الوزارات، حيث شكل وزراء المالية والتجارة والمواصلات والأوقاف والتربية لجاناً للتحقق من ملاحظات الديوان على وزاراتهم أو القطاعات التابعة لها.

Ad

ورغم أن هذه اللجان كانت تعبر عن الأمل بوجود آلية تعامل جديدة نسبياً مع المخالفات التي يثيرها الديوان على الوزارات وهيئاتها التابعة، إلا أن معظمها للأسف لم يصدر تقريره أو يحدد الأسباب التي أدت إلى حدوث وتكرار ملاحظات ديوان المحاسبة، باستثناء - حسب ما رصدت «الجريدة» - إحالة وزير المالية 7 مشاريع تابعة للشركة الوطنية للأوفست، وردت ضمن مخالفات الديوان إلى النيابة العامة، لوجود شبهات جنائية، في حين لم تعلن أي لجان وزارية أخرى أي نتائج لأعمالها رغم تعهد بعضها بسرعة إنجاز التقرير النهائي ومحاسبة المتجاوزين!

ولعل تأخر إعلان نتائج ملاحظات ديوان المحاسبة أكثر من 7 اشهر رغم حرص الوزراء في بداية تشكيلها على سرعة انجاز التقارير يعطي صورة عن عدم الجدية في متابعة الملاحظات ومكافحة الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة، خصوصا ان هذه اللجان اصلا لم تكن من ضمن سياسة حكومية عامة تتضمن متابعة تقارير الديوان بل كانت اجتهاداً من بعض الوزراء... والغريب ان هذا الاجتهاد لمعظم الوزراء لم يتعد تشكيل اللجنة دون استعجال نتائجها.

سياسة لا مبادرة

بالطبع كان من المفترض أن تكون هذه اللجان ضمن سياسة حكومية تشمل كل الوزارات، لا بمبادرة من مجموعة وزراء، خصوصا ان ملاحظات الديوان شملت جميع الوزارات، وليس مقبولا ان تتابع بعض الوزارات الملاحظات بينما تتجاهلها الوزارات الأخرى... لاسيما أن جزءا من هذه الملاحظات إداري ومعظمها مالي، وبالتالي من اللازم متابعتها ومعرفة اسبابها، خصوصا انها شملت ملايين الدنانير من اموال الدولة.

كذلك يجب ان تكون نتائج التقارير - مع الاهتمام بسرعة صدورها - علنية كي يمكن للرأي العام الاطلاع عليها، مع تحديدها لآليات الخطأ والمخطئ، وأن تتضمن حلولا عملية لمعالجة المخالفات ومنع تكرارها مستقبلا، فضلاً عن ان تكون لجان التحقيق ذات صلاحيات تنفيذية او يتعهد الوزير المختص بتطبيق توصياتها كاملة، فلا قيمة للجنة تضع توصياتها الفنية ثم يتجاهل الوزير تلك التوصيات، أو يخضع لضغط سياسي لمحاباة هذا الوكيل أو ذاك، خصوصا أن الضغوط السياسية تنتعش في مثل هذا القضايا لمنع محاسبة المتسببين في الأخطاء التي رصدها ديوان المحاسبة، لذلك يجب أن تكون قرارات اللجنة نافذة، إما من اللجنة نفسها أو يتعهد الوزير بتنفيذها دون إبطاء.

ولمخالفات ديوان الحاسبة جانبان، الأول إداري والثاني مالي، وعليه يجب معاقبة من ارتكبوا المخالفات الإدارية الجسيمة، لا ان نجدهم بعد فترة في مناصب اعلى من مناصبهم الحالية، كما يجب إحالة أصحاب المخالفات المالية إلى النيابة العامة للنظر في طبيعة هذه المخالفات.

قاعدة للمعالجة

هذه الضوابط يمكن أن تكون قاعدة جيدة للبدء في معالجة تقارير ديوان المحاسبة إذا أرادت الحكومة أن تعطي صورة ايجابية عن أعمالها في معالجة المخالفات، إذ إن تلك التقارير تكشف سنويا عن مخالفات بملايين الدنانير دون ان يكون هناك لها دور حقيقي في التصدي لمعالجة الملاحظات مهما كان تكرارها.

لا شك أن الإهمال الحكومي في معالجة ملاحظات ديوان المحاسبة وتراكمها جعلها، في وقت لاحق، مادة معتمدة في اي مساءلة للحكومة، حيث ادت الى مواجهات سياسية كان يمكن تلافيها لو كانت الحكومة تتعامل معها جديا وتحاول من عام لآخر خفض حجم ومقدار الملاحظات المالية والإدارية على الوزارات والجهات التابعة لها، لأن هذا سيكون مؤشراً على مكافحة الفساد الذي تتحدث عنه الحكومة دون مؤشر عملي على مكافحته.

أهمية لجان التحقيق في تقارير ديوان المحاسبة وضرورة تعميمها على الوزارات كافة تنطلق من أن الحكومة التي تتحدث عن وجوب تغيير أسعار الخدمات كالكهرباء والبنزين وغيرهما يجب أن تعطي للمواطنين مثالاً جيداً في الحد من الهدر، وبالتالي فإن معالجة الخلل في الوزارات ستكون مادة ايجابية في يد الحكومة للرد على من يتهمها بعدم وقف الهدر أو التجاوزات.

حاجة إلى المصداقية

في السنوات الأخيرة باتت الحكومة تحتاج إلى مصداقية اكثر من السابق كي تقنع الرأي العام بتوجهاتها، وربما كان العمل على معالجة مخالفات ديوان المحاسبة فرصة جيدة لإعطاء صورة إيجابية عن جديتها. ويعد ديوان المحاسبة، ربما، أهم جهة فنية في الدولة، فدوره تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة لصونها ومنع العبث بها والتأكد من الاستخدام الأمثل في الأغراض التي خصصت لها، فضلاً عما له من دور رقابي على أعمال الوزارات التي يجب أن تتجاوب معه في التفتيش، بحيث يمتد التعاون إلى متابعة ملاحظاته لمعالجتها، وهنا يجب الحديث عن مخالفات متنوعة يكشفها ديوان المحاسبة سنوياً حتى باتت متراكمة بلا علاج.

لجان التحقيق الوزارية رغم أنها مبادرة محدودة ولا تعبر عن اتجاه حكومي كان يجب ان تكون وسيلة في إعطاء صورة جدية في عملية متابعة المخالفات، لاسيما ان نجاح هذه التجربة سيعطي مثالا لتعميمها لاحقا، ويمنح الحكومة فرصة اكبر لتسويق برامجها الخاصة بضبط الإنفاق وتعزيز الإيرادات غير النفطية، خصوصا أن الهدر المالي يعتبر احد أهم الأسباب التي تمنع تسويق هذه الأفكار في الشارع.

عملية تأسيس لجان لامتصاص ردة فعل معينة إزاء تقارير ديوان المحاسبة على جهات وهيئات حكومية، ثم اختفاء هذه اللجان أو استمرار عملها لمدد لا نهائية بلا نتيجة، تعطي صورة سلبية بعدم وجود رغبة في الإصلاح، ما يستحيل معه الحديث عن أي برامج إصلاحية أخرى.