كل من اعتاد على أمطار جنوب فلوريدا شاهد حتماً تساقط الأمطار (طوال 20 دقيقة في فترة بعد الظهر من كل يوم خلال شهرَي يوليو وأغسطس)، لكنّ أحداً من المشاركين في المؤتمر القانوني الدولي الذي أعادني إلى هونغ كونغ لم يكن مستعداً لهذه اللمحة المسبقة عن موسم المطر هناك. لا يمكن أن نفعل شيئاً إلا مشاهدة انهمار المطر، فنشعر بالسعادة إذا كنا موجودين في الداخل أو نحاول التكيف مع الوضع حين يبلّلنا المطر في حال تواجدنا في الخارج. لكننا سنشعر في مطلق الأحوال بأننا جزء من فيلم عن حرب فيتنام... لكن من دون جيش {الفيتكونغ} طبعاً!استمر هطول الأمطار بشكل متقطع خلال الأيام اللاحقة، لكن بدا وكأن المدينة لا تبالي بذلك. حين تستعرض هونغ كونغ مزاياها أمام الزوار، تبدو وكأنها بُنيت لغاية واحدة: التجارة. هي لن تسمح لتلك الأمطار القياسية بإعاقة هذا الأسبوع المخصص لقطاع الأعمال. بفضل البنى التحتية، راحت المياه تسيل في اتجاه معين، فتركت الشوارع سالكة وكأن شيئاً غريباً لم يحصل. هذا ما جعل ركوب سيارات الأجرة بين مختلف المواعيد في شبه جزيرة كولون وجزيرة هونغ كونغ أمراً سهلاً نظرياً، لكن تطرح حركة السير مشكلة مستمرة في تلك المدينة التي تشمل أكثر من 7 ملايين نسمة وتُعتبر واحدة من أكبر مدن العالم من حيث العدد السكاني. كلفة النقل في سيارات الأجرة رخيصة، لكنها تأتي مع سائقين لا يتحدثون اللغة الإنكليزية في معظمهم (بحسب رأي أحد المحامين الحكماء من سويسرا، لو كانوا يجيدون اللغة الإنكليزية لما أصبحوا سائقي أجرة). حتى إن أحد السائقين رماني خارجاً بعدما توقف عن محاولة اكتشاف الوجهة التي أردتُ الذهاب إليها. عمد كثيرون منا إلى ركوب قطار الأنفاق أو {عبّارة النجوم} التي تتجول في أنحاء {ميناء فيكتوريا} (وهي تتنقل في ذلك المكان منذ عهد صاحبة اسم الميناء).على جدران الدرج الحلزوني فوق المدخل الوحات غريبةلمؤدي إلى نادي هونغ كونغ، يمكن أن نجد لوحات غريبة لرجال بريطانيين من أصحاب النفوذ والسلطة. في تلك الأيام (من عام 1848 حتى السبعينيات)، كانت العضوية محصورة بالرجال البريطانيين البيض. يمكن أن نسمع الآن كم كانت معالم هونغ كونغ مبهرجة وغير متناسقة في عهد الحكم البريطاني، وما كنا لنعرف شيئاً عن المتاجر في أزقتها، لا سيما إذا كنا برفقة الزوجة والأولاد. على مر التاريخ، فضّل المستعمرون الأوروبيون أن تكون المساحات التي لا يسكنها مواطنوهم غريبة وسخيفة. ما الداعي للذهاب إلى ذلك البلد البعيد للتواجد في مكان غريب بهذا الشكل إذا كنا سنجد أنفسنا وسط جو مألوف (أقله حين لا نكون في المكاتب بل في مكان إقامتنا أو في النادي)؟منذ أن استرجع الصينيون ميناءهم في عام 1997، استعادت هونغ كونغ رونقها وأُعيد إعمارها وأصبحت ثرية جداً. تتراكم ناطحات سحاب جديدة فوق بعضها البعض على طول ساحل الميناء في الجزيرة، ويمكن أن نشاهد من على الجسر العالي الموصول بالمطار نشاطات سفن الحاويات التي تحمل إلى الموانئ الأميركية جميع المنتجات التي يريدها الأميركيون والتي أنتجتها المصانع غير النافعة قبل أن تتكبد الخسائر وتغلق أبوابها.لا عجب أنّ هونغ كونغ تتخلى كل سنة عن بقايا التصاميم التي يحبذها الغربيون حتى الآن. في النهاية، يبدو أن الغرب هو الذي لا يزال يحتفظ بلمحة رومانسية عن {الشرق الغامض}، مع أن السلوك العملي والمبني على المصالح المهنية أولاً في شرق آسيا يجعل الغرب يبدو حالماً ورومانسياً مقارنةً به. هونغ كونغ هي أكبر إثبات على هذا الوضع السائد في أي منطقة من حافة المحيط الهادئ، وهذا ما يشجعنا على زيارتها في أي رحلة عمل إلى تلك المنطقة.هذا ما يجب فعله لأن كل ما تستطيع هونغ كونغ تقديمه للزائر العابر يمكن اختصاره بمكاتب نظيفة، ومتاجر فاخرة ومثالية، ومطاعم حائزة نجوم {ميشلان}. نجد في هونغ كونغ أيضاً حديقة {ديزني لاند}. وخلال الليل، تقدِّم أبراج المكاتب ومركز المؤتمرات في الجزيرة عرضاً من الأصوات والأضواء في جميع أنحاء المدينة بعد ساعات العمل. يطل أعلى جبل في المنطقة ({قمة فيكتوريا}) على منظر خلاب للمدينة. وبما أننا في هونغ كونغ، لا مفر طبعاً من إيجاد مركز تجاري.نجد أيضاً {حديقة فيكتوريا} التي تشمل ممرات مظللة وملاعب رياضية. قبل هطول الأمطار مباشرةً، وكما يحصل في جميع أيام الآحاد، تمتلئ المساحات المفتوحة في الحديقة بمجموعات من الخادمات الفيليبينيات والأندونيسيات، علماً أن السكان المحليين يتكلون عليهنّ للحفاظ على رفاهية حياتهم. الأحد هو عطلة للخادمات في أنحاء البلدة، وهنّ يحتفلن بذلك جماعياً.ماركات عالميةفي سياق عملي في المجال القانوني، أتعامل بشكل مكثف مع ماركات عالمية فاخرة وأعيش في مانهاتن حيث يملك معظم الماركات الكبرى متاجر لها. لكن حتى مانهاتن لم تكن كافية لتحضيري لمواجهة هونغ كونغ حيث تملك كل ماركة فاخرة متجرين لها أو أكثر. كانت زيارتي لتلك المتاجر غريبة: كل متجر فاخر قصدتُه كان جميلاً وجذاباً لكنه يخلو من البشر، باستثناء موظفي المبيعات الذين يبدون مرتبين لكنهم يشعرون بالملل بكل وضوح. وفق نشرات الأخبار، أدت تقلبات أسعار العملة وبعض الخلافات بين الصين وهونغ كونغ إلى إبعاد السياح الصينيين وثرواتهم الجديدة. في المقابل، بدا وكأن السكان المحليين يفضلون الملابس البسيطة ({إتش أند أم} أكثر من برونلو كوتشينيلي).لذا ما عاد ممكناً أن تُعتبر هونغ كونغ معقلاً للصفقات بمعنى الكلمة، إذ يعلم كل شخص مطلع على مواقع {أمازون} و}إيباي} أن ما يباع هنا بكلفة متدنية يمكن شحنه بسهولة إلى أي مكان. لكن ثمة صفقات يمكن أن يعقدها الزوار. كاميرا {نيكون} التي تكلف حوالى 3 آلاف دولار في الولايات المتحدة (وأكثر في أوروبا) تُباع بكلفة أقل بألف دولار في متجرين هناك. لكن عرضت الماركة الحديثة الرائجة {لايكا} المنتج بسعر يفوق الكلفة الأميركية (إلى أن بدأت المساومة!).ذهب بعض المحامين من مجموعتنا إلى خياطين في هونغ كونغ، وهم مشهورون منذ فترة طويلة بسرعتهم وجودة عملهم، فأكدوا على أن القمصان التي تُصنَع على الطلب يمكن شراؤها مقابل 80 دولاراً واستلامها خلال يومين. لكن إذا أردنا اختبار معنى التجارة التقليدية في هونغ كونغ، يكفي أن نتجول على شارع {ناثان} أو في الشوارع المجاورة في كولون ونتحمّل الباعة المتجولين الذين يتبعون الناس ويعرضون الملابس والساعات المزيفة أو {التدليك}. سرعان ما يصبح جوابي لهم: {شكراً! لدي خياط، ولدي صانع ساعات!}.أعمال معاصرةبمحض الصدفة، تزامن اجتماع المحامين مع معرض {آرت بازل} على الطرف الآخر من مركز المؤتمرات في هونغ كونغ. أثناء عرض الأعمال الفنية المعاصرة والحديثة ضمن 245 معرضاً فنياً من أنحاء العالم، قابلتُ شريكاً سابقاً لي من شارلوت، كارولاينا الشمالية.بما أنه يعلم أنني ناقد فني من نيويورك، طرح عليّ سؤالاً: {لماذا يرتدي الجميع هناك ملابس سوداء؟}. فأجبته: {لأنه يُعتبر لوناً عصرياً، وإذا كنت تنفق مليونَي دولار على لوحة، فلا أحد يبالي بما ترتديه}.في تلك الليلة، خلال العرض الخاص بالشخصيات المهمة قبل افتتاح المعرض، حضر فنانون يرتدون اللون الأسود ورجال أعمال بدوا وكأنهم يحضرون حفلة عشاء في {بارك أفنيو}، كذلك حضر آخرون وهم يرتدون ملابس مبهرجة وكأنهم يتنافسون على جائزة الأزياء الأكثر غرابة. وسط هؤلاء الأشخاص، نجد المسؤولين عن المعرض وهم يرتدون ملابس مرتبة وكلاسيكية ويبذلون قصارى جهدهم لعرض أبرز ما تتسم به المعارض الفنية الجديدة في كل مكان (مع أنهم يعرّضون ثرواتهم وسمعتهم للخطر): الرغبة، التفاني، التطلعات.اصطدم مسؤول أخرق بحقيبة امرأة فضربت منحوتة وكسرت قطعة منها. لكن سرعان ما تم إصلاح المنحوتة عبر استعمال قطع الغيار التي جلبها معرض طوكيو.أصبحت هونغ كونغ مدينة عالمية الآن، وكان الاحتفال المتحرك الذي جمع أصحاب المال والسلطة والشهرة من أنحاء العالم في معرض {آرت بازل} في هونغ كونغ خلال تلك الأمسية يسير نحو وجهته اللاحقة. إنه أفضل إثبات على أن هونغ كونغ أصبحت مترسخة في دليل السفر العالمي، فهي تعبّر عن نفسها بنفسها وتكشف عما تحب عرضه في ما تحصد المنافع التي تريدها من جميع ضيوفها.إذا قصدت المكان:بلوغ المكان والتجول فيه: كانت خدمة شركة Cathay Pacific لائقة فهي سمحت لي بالوصول إلى النصف الآخر من العالم في الدرجة السياحية الممتازة، فأنجزتُ بعض الأعمال ونمت وشاهدت أفلاماً ألمانية وأميركية. كانت مضيفات الطيران يقظات. (www.cathaypacific.com).في هونغ كونغ، يمكن شراء {بطاقة الأخطبوط} للقيام بالرحلات في وسائل النقل العامة، بما في ذلك {عبّارة النجوم}.الإقامة هناك: توزع المشاركون في مؤتمرنا الدولي السنوي على فنادق تقع على طرفَي الميناء. وكل من تكلمتُ معه هذه المرة أكد على خوضه تجربة ممتعة. يمكنك أن تختار ما تريده من بين الفنادق الفخمة.تسوق لشراء الملابس: أهم مصممة أزياء نسائية بالنسبة إلي هي ماري فرانس فان دام، علماً أنها تملك متجراً صغيراً وأنيقاً في مركز الأموال الدولية في هونغ كونغ (www.mariefrancevandamme.com).لكن ثمة تحذير بشأن الخياطين وصانعي القمصان: يعملون بسرعة وبكلفة مقبولة في هونغ كونغ، لكن لا بد من القيام بتجارب عدة قبل التوصل إلى القياس الصحيح، لذا ننصحك بالبحث عن خياط له سمعة جيدة. حتى في هذه الحالة، لا تتوقع عملاً سحرياً أو إنهاء الطلب منذ المرة الأولى.المطاعم:• مطاعم صينية:Sang Keewww.sangkee.com.hk، T’ang Courtwww.hongkong.langhamhotels.com• مطاعم أوروبية:The Press Room www.thepressroom.com.hk, The Principal www.theprincipal.com.hk, Spoon by Alain Ducasse www.hongkong-ic.intercontinental.com, Whisk www.themirahotel.com.
توابل
هونغ كونغ... ملاذ رائع لإنجاز الأعمال!
11-06-2014