أصدرت محكمة إسرائيلية في تل أبيب يوم الثلاثاء الماضي حكماً بإدانة رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت لقبوله رشا في قضية فساد متعلقة بفضيحة عقارية ضخمة في القدس، وقد حكم عليه بالسجن ست سنوات ودفع غرامة قدرها 290 ألف دولار، وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها حكم بالسجن على رئيس وزراء فاسد في إسرائيل!

Ad

وقد جاء في الحكم أن أولمرت استغل منصبه الرفيع، وتقاضى مبالغ مالية "ضخمة"، هي ضخمة بالنسبة إليهم طبعا، أما بالنسبة إلينا، وبحسب ما يردنا من أخبار، فلا تعادل مستوى "الخردة" في طفاية السيارة لأي مسؤول كبير، مساكين اليهود لا يزالون مبتدئين في مسائل الرشا والاختلاسات، يلزمهم بعض الدورات التدريبية لدينا، ليصبحوا على قدر المسؤولية و"الكفاءة"!

على أية حال، الرشا التي سجن من أجلها السيد أولمرت لم تكن أثناء توليه منصبه كرئيس للوزراء، إنما حين كان عمدة لمدينة القدس، وقد كان انقلاب سكرتيره السابق عليه وتحوله لشاهد إثبات هو القشة التي قصمت ظهره، وجعلته ذليلا خلف القضبان، بعد أن كان يجلس على كرسي الرئاسة بكامل احترامه!

المهم الآن أن أولمرت ثبت أنه كان فاسداً، يتلقى الرشا وربما يقدمها، فكيف تمت إدانته يا ترى؟ هل ظهر خصومه السياسيون على شاشة التلفزيون ليغمزوا ويلمزوا فيه دون أن يعلنوا اسمه صراحة؟ أم أنهم غردوا في "تويتر" تغريدات نارية عن الفساد في عهده؟!

من المؤكد أنه لم يسجن لسبب كهذا، فالادعاء "الفارغ" من أي إثبات لا يساوي شيئا في نظر القانون، حتى إن كان لديه من المنطق والعقل والواقع ألف إثبات يؤيده!

ولو كان الناس يسجنون للتغريدات الواردة في "تويتر"، لكان معظم المسؤولين في الكويت في الأعوام الأخيرة وراء القضبان، فلم يسلم أحد منهم من تهم الفساد والسرقات والرشا، بل إن بعضهم تناله الاتهامات بمجرد ترشيحه للمنصب!

ويا سادة يا كرام، هناك نوعان من الاتهامات، اتهام بدليل وآخر بلا دليل، الأول صاحبه واثق مما يقول، متيقن مما لديه من إثباتات، إن سألته عن اسم ذكره لك، وعن تفصيل فصله لك، ولديه الاستعداد التام لتقديم ما لديه للنيابة، فإن كان لديه ذرة شك بعدم جدوى الذهاب للنيابة، قام بنفسه بنشر ما لديه من أدلة وبيانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليشهد الناس على صدق ما يقول وما يدعي!

أما الثاني، فلا يملك صاحبه من دليل سوى هوى نفسه التي تتوافق مع كل ما يسمعه من اتهامات هنا وهناك، فيلتقط الشائعة العابرة ليعمل لها "فرمتة" فورية تحولها إلى حقيقة دون أن يتثبت من صحتها، وأي قصة عن الفساد يسمعها في "ديوانية" يحولها إلى واقع، لمجرد أنه، وحسب ما تشتهي نفسه، يريدها أن تكون كذلك، فإن سئل عن اسم قال "كلكم تعرفون من أقصد"، وإن سئل عن تفصيل أجاب جوابا مبهما، وإن قيل له اذهب إلى النيابة لتدين الرجل، تملص من الأمر كله!

ومعظم الاتهامات في ساحتنا السياسية هي من النوع الثاني، منطقيا وواقعيا تصح أن تكون حقيقة، لكنها بلا دليل أو برهان، ولا تعدو أن تكون محاولة لتشويه صورة الخصوم السياسين بأي وسيلة ممكنة، وقد تكرر الأمر حتى أصبح عادة عند كل من يشتغل في السياسة، وترتب عليه إشغال الناس بما لا يفيد ولا ينفع، وجعلهم يفقدون الثقة بكل من يتولى منصبا عاما، فكلهم لصوص وكلهم فاسدون عند الربع!

 والحديث النبوي الشريف يقول: "... قل خيراً أو اصمت"، ونحن نقول لمن يوزع اتهاماته يمينا وشمالا: "قدم دليك أو اصمت"!