كما في الأعوام السابقة، لا عيد لنا هذا العام، ولا أعياد ننتظرها في الأعوام اللاحقة في المدى المنظور، مؤجلة أعياد المسلمين حتى إشعار آخر.

Ad

منذ سنوات بعيدة ووجه البهجة في أعيادنا دميم، لا يُغري إيقاع أغنية بالصحو، ولا يُلبس جسد أمنية فستاناً زاهياً جديدا، صباحات الغد تختطف من آمالنا، والشمس تُقذف في كل يوم حتى في الأعياد براجمات الظلام، أيامنا تغوص كل يوم بوحل التيه أكثر، ابتكرنا البشائر قسراً طوال سنين عديدة، اخترعنا الفرح وهماً خلال أعياد مضت، وحاولنا فوق قدر استطاعتنا أن نلصق "بوستر" ابتسامة على شفاهنا، حاولنا أن نحيي مظاهر العيد "بالعيديّات" والهدايا.

وأن نأخذ أطفالنا في نهارات العيد إلى أماكن المرح، وأن نقضي ما تبقى منها في زيارات للأهل والأقارب والأصدقاء كي نوحي لأنفسنا أننا نعيش في مجتمعات طبيعية تُؤصَّل فيها الروابط الأسرية والاجتماعية لتعم المحبّة وينتشر الوئام.

حاولنا على مدى سنين طويلة أن نتظاهر بالسلام الداخلي في أعيادنا لعل عدوى السلام تسري في ما سواها من الأيام، حاولنا أن نتصالح مع أنفسنا ومع الآخرين لعل ذلك يغدو طبعاً أصيلاً مع تكراره مرتين على الأقل في كل عام، حاولنا أن نعيش ولو فرحاً مصطنعا في أعيادنا ولم ننجح، حاولنا أن نسوّق لأنفسنا قبل أن نسوق للآخرين لصباحٍ سيأتي في غدٍ، ويتعاقب ليل أكثر حلكة من الليل الذي سبقه، كل عيد يمر على هذه الأمه يبدو بوجه أكثر بشاعة مما سبقه،

تزداد مساحة البغضاء بيننا، وتزداد فجوة الفرقة بين أطياف هذه الشعوب اتساعا، يغطّي الدم اللزج مساحة أكبر من خارطتنا، مشاهد الذبح والنحر والتدمير تحتل مساحة أكبر في مقاطع الفيديو في كل عام، البؤساء يزدادون عددا، والتعساء يزدادون تعاسة، كل عام وهذه الأمة تبتلى بما يجعل بلوتها السابقة أكثر رحمة، نحاول الاعتصام بحبل الله فيسارع رجال الدين بسحبه من بين أيدينا بحجة أنها ليست طاهرة، وأن أيديهم فقط المخولة لامتلاك ذلك الحبل، وأنهم المصطفون الوحيدون على هذه الأرض بهذا الحق!

نحاول الاعتصام بحبل الأوطان، فتضع السلطات إيدينا في الأصفاد بشبهة محاولة سرقة الوطن!

تقاسم الطرفان ما على الأرض وما في السماء كل وما قُدّر له من خيرهما، وبقينا نحن بلا ملجأ، وبلا لقمة أمل!

نحاول الاعتصام بحبل الصبر، فيكاد يذوب حبل الصبر من فرط الدماء.

لم نعد نجد حبلاً واحداً نعتصم به فننجو به بغدنا الآتي، حبل العيد قصير، تماما كحبل كذبة ناصعة السواد، لا يكاد يوصلنا ذلك الحبل إلى شاطئ فرحة خالدة، قد تترك وشماً في قلوبنا لا يزول، نغنّي في كل عيد أغنية علّها ترطّب جفاف شفاهنا:

"باجر العيد بنذبح بقرة، وينسفها سعيد بسيفه وخنجره"... غير مدركين أن العيد لسعيد فقط وليس لنا، لأننا تلك البقرة التي سيذبحها سعيد بسيفه وخنجره غداً!