تدرك هيلاري كلينتون بشكل خاص أن الحظوظ السياسية سرعان ما تتبدل وتتغير، ولكن لا بد من أنها حائرة أو حتى خائفة لأن شعبيتها تراجعت كثيراً خلال فترة الأشهر الستة التي لم تتصدر فيها عناوين الأخبار ولو مرة واحدة.عكس استطلاع الرأي الذي نشرته أخيراً شبكة ABC News وصحيفة "وول ستريت جورنال" هذا التراجع، فقد تبين أن نسبة الأميركيين الذين ينظرون إليها نظرة إيجابية تراجعت من 56% إلى 46%، في حين ارتفعت نسبة مَن ينظرون إليها نظرة سلبية، وإن بفارق أقل، لتبلغ 33% بعد أن كانت 29%... إذن، بلغنا اليوم بداية نهايتها الحتمية. المسألة مسألة وقت لأن الحقيقة، التي تزداد وضوحاً مع كل يوم جديد، تؤكد أنها تعاني مشاكل خطيرة بصفتها أحد الطامحين للرئاسة عام 2016، ولا شك أن التهليل السابق لأوانه، الذي تحظى به من تشاك شومر وغيره من الديمقراطيين، لن يبدل هذا الواقع.في أعقاب تعطيل الحكومة الفدرالية ووسط انهيار برنامج أوباما للرعاية الصحية، بلغ سأم الناخب من "مواصلة العمل كالمعتاد" ذروة تضمن أن تخبئ الانتخابات المقبلة مفاجآت أكبر من المعتاد. ففي أحد استطلاعات الرأي الأخيرة، تبين أن 60% من الأميركيين قالوا إنهم يودون استبدال كل مَن في الكونغرس، حتى ممثليهم الخاصين. وأشار استطلاع آخر إلى أن أغلبية مماثلة تتوق إلى تأييد طرف ثالث.تُظهر هذه الأرقام الكبيرة على نحو غير مألوف جواً يعجز فيه شخص كان يحتل مكانة مرموقة على المسرح السياسي طوال ربع قرن تقريباً عن التأثير في عدد كبير من الناس، فقد سئم الناخبون الشخصيات السياسية المألوفة، خصوصاً تلك الشخصيات في واشنطن أو المرتبط بها. لهذا السبب هوت كلينتون، فيعتبرها الناخب جزءاً من مجموعة الرئيس أوباما وقادة الكونغرس وغيرهم من السياسيين المكروهين.في المقابل، لا تُعتبر بعض الطرق التي تتميز بها كلينتون عن هذه المجموعة إيجابية، فتملك تاريخاً سياسياً معقداً يحفل بمقدار من الهبات الممنوحة، والخدمات المستحقة، والولاءات الراسخة، والصراعات القديمة يفوق ما قد يواجهه أي مرشح آخر، ولا تنفك التطورات تذكرنا بهذه الحقيقة: خلال قصة أنتوني وينر، في تقارير عن سوء الإدارة في مؤسسة كلينتون، وأثناء تغطية سعي تيري ماكوليف ليصبح حاكم فيرجينيا.علاوة على ذلك، حصلنا على لمحة عن حياة الزوجين كلينتون كعضوين من الطبقة الحاكمة الراسخة التي تتمتع بامتيازات كثيرة. فيحاول بيل وهيلاري بكل وقاحة الترويج أخيراً لتتويج تشيلسي بصفتها ولي العهد المقبل ووريث العرش، مما نفر حتى بعض أشد المؤيدين لهما.عدل الزوجان كلينتون اسم مؤسستهما ليمنحاها مكانة تعادل مكانتهما، وأخبرت هيلاري مجلة "نيويورك" أن ترفيع تشيلسي كان "جزءاً من حمضها النووي"، وهكذا رفعا من مكانة ابنتهما تدريجياً، حتى أضفيا عليها جزءاً من مجدهما.نجحت مناورتهما هذه، فقد سأل بيرس مورغان بيل كلينتون في مقابلة معه في شهر سبتمبر عما إذا كانت هيلاري أو تشيلسي المرشح الأفضل للرئاسة، فأجاب بيل: "تشيلسي على المدى الطويل، فهي أكثر اطلاعاً على كل القضايا منّا نحن".لكن هذه الأفكار الوراثية تتوافق تماماً مع ما يتحول إلى انتقال مناهض للمؤسسة في السياسات الأميركية، ويبدو أن انكشاف لعبة آل كلينتون يتلاءم جيداً مع الاستهلاك السريع لعصر تويتر، الذي يريد المزيد والجديد دوماً.لا شك أن محاولة هيلاري تخطي كل الحدود (خطوة طال انتظارها) قد تكون جديدة كفاية، ولكن هل تنجح في تفادي خصم قوي نسبياً من اليسار خلال الانتخابات الأولية الديمقراطية؟ يعكس بروز بيل دي بلازيو والتأييد القوي لإليزابيث وارن الإقبال الراهن على الشخصيات الليبرالية.وما الحجة الداعمة لترشح هيلاري للرئاسة؟ تحصل على أجوبة مثيرة للاهتمام عندما تسأل الديمقراطيين عن سبب اختيارها في عام 2016. فيقولون إن الوقت قد حان لفوز امرأة، إنها ستجمع مبالغ كبيرة من المال، وإن المرشحين الأقوياء الآخرين لن يتجرؤوا على تحديها. إذن، تتمحور الأجوبة حول العملية الانتخابية أكثر منه حول الشخصية أو الرؤية التي تقدمها للبلد، ولا تحمل هذه الأجوبة أي جانب مشرق مشوق، وهذا سيئ بالتأكيد.أجاب أحد الخبراء الاستراتيجيين الديمقراطيين، متحدثاً عن وعد هيلاري: "الكفاءة! وبحلول نهاية ولاية أوباما الثانية، قد تكون الكفاءة أكثر من كافية".أدت هيلاري دورها كوزيرة خارجية بنجاح لأنها، باستثناء هجوم بنغازي، تمكنت من الترفع على كل المشاكل بين الحزبين، وهكذا تحولت تلك المرأة الحادة الطباع إلى سياسية متزنة، مستبدلة نظاراتها الشمسية الداكنة بأخرى أقل سواداً، ومحتلة مكانة بارزة.ولكن خلال الأشهر التسعة التي تلت خروجها من منصبها، صعب علينا تحديد إرثها، باستثناء قيامها بالواجبات الضرورية، وهكذا عادت إلى أرضها، كمكان كثير التقلبات.تشمل الأفكار المتداولة بكثرة من كتابDouble Down: Game Change 2012، الذي صدر أخيراً، أن مستشاري أوباما فكروا في استبعاد جو بايدن واستبداله بهيلاري كلينتون، وقد تحولت هذه الدعابة إلى إهانة لبايدن.إلا أنه بقي في منصبه لأن الأبحاث الداخلية أظهرت على ما يبدو أن أوباما لن يحظى بتأييد إضافي من جراء هذه الخطوة، فماذا يكشف هذا الواقع عن هيلاري؟
مقالات - Oped
هيلاري في عام 2016؟... لا تتسرعوا!
09-11-2013