دعا المحاضرون في مؤتمر «الخريجين» إلى إصلاحات سياسية تتيح معالجة الاختلالات القائمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.

Ad

تزامناً مع احتفالها باليوبيل الذهبي بمناسبة مرور 50 عاماً على إنشائها، استضافت جمعية الخريجين أمس الأول الندوة الأولى من المؤتمر الوطني للخريجين، المقام تحت عنوان "الخريجين بين أحلام المستقبل وأوهام الواقع"، حيث ناقشت هموم ومشكلات مخرجات التعليم، مع البحث عن آلية لربطها بسوق العمل.

وأجمع المحاضرون في الندوة على أن هناك فجوة ومشكلة في العرض والطلب بين مخرجات التعليم وسوق العمل، طارحين عدداً من الحلول، مع تأكيدهم أنه لا معالجة لاختلالات التعليم وسوق العمل قبل إصلاح الوضع السياسي واستقراره.

مشكلة مجتمع

في البداية، قالت مديرة برنامج الحوكمة الديمقراطية في الأمم المتحدة هدى الدخيل إن "المشكلة ليست للخريجين فقط، وليست مشكلة الدولة فقط، بل هي مشكلة المجتمع ككل، ومعالجتها يجب أن يشترك فيها المجتمع كله ضمن إطار مجموعة من الحلول المتكاملة".

وأضافت الدخيل أن "كل المعالجات التي نسعى لها على صعيد توفير فرص العمل أو تطوير التعليم أو توفير التدريب التقني أو توفير مسارات ملائمة للترفيه الصحي والترويج لنمط الحياة الصحية بين الشباب، كلها معالجات مهمة جدا، لكن هذه المعالجات ما لم تتزامن مع سعي حقيقي مدروس نحو إعادة بناء الانسان، وموقفه من نفسه وعلاقته بالآخر وموقفه من الحياة ورؤيته للعمل كقيمة وليس مجرد أداة للكسب وغيرها من الامور، فإن معالجاتنا الأخرى ستبقى محدودة التأثير وقصيرة الامد"، مبيناً أن "الواقع الحالي لمجتمعنا يشير إلى خلل جدي في هذا المجال، يتطلب عملا جماعيا جادا لمواجهته، تتضافر فيه جهود المؤسسة الثقافية الرسمية جنبا إلى جنب مع منظمات المجتمع المدني.

وعرضت أهم الحلول والمعالجات من وجهة نظرها والتي كان أهمها وضع استراتيجية وطنية للتوظيف، لا تحدد فقط أعداد الموظفين وجهات توظيفهم وما هي مواصفات الموظف التي نريد، وكيف يمكن تأهيل الخريجين لكي تتوافر فيهم هذه المواصفات، بل تتجاوز ذلك إلى وضع آليات جديدة لعمليات الترقي الوظيفي والتطوير المهني لكل العاملين في القطاع العام، مع تحديث وتطوير نظم الخدمة المدنية والسياسات الإدارية في مؤسسات القطاع، لكي تصبح أكثر عملية وعدالة وشفافية، لخلق بيئة عمل صحية توفر للموظف الأمن المهني الكافي للعطاء والمبادرة.

وبينت أن من تلك الحلول كذلك وضع سياسة وآلية وطنية واضحة لاستثمار طاقات المتقاعدين الراغبين في مواصلة العطاء لخدمة المجتمع في تخصصاتهم المختلفة، فضلاً عن تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في قيادة عملية التحول الثقافي، عبرة مبادرة وطنية من قبل هذه المنظمات، وبالتعاون مع المؤسسات الثقافية الرسمية، لوضع وتنفيذ برنامج تدريبي موسع للشباب لتعزيز مفاهيم القيادية والإيجابية والمشاركة والمسؤولية الاجتماعية لديهم.

طبقية التعليم

من جانبه، أعرب رئيس قسم الاقتصاد في جريدة "الجريدة" محمد البغلي عن مخاوفه من حدوث نوع من الطبقية في التعليم بعد عدة سنوات بسبب النمو اللافت لإقبال المواطنين على ارسال أبنائهم إلى التعليم الخاص، حيث بلغ عدد الطلاب الكويتيين في التعليم الخاص 56 ألف طالب في العام الدراسي 2010-2011، مبيناً أن هذا العدد يشكل نحو 19% من مجموع الطلاب الكويتيين في التعليم ما قبل الجامعي، وذلك بعد أن كانت نسبتهم 10 في المئة فقط عام 2000.

وأضاف البغلي أن هذا الأمر جاء بسبب ضعف مخرجات التعليم الحكومي والتراجع في مستوى التعليم، وسط شعور متزايد بعدم الرضا عن أداء التعليم الحكومي رغم الميزانية الضخمة التي تنفقها الكويت عليه مدعومة بإيرادات نفط متنامية وفوائض مالية متراكمة، لافتاً إلى أن سوء الإدارة في التعليم الحكومي ماثل للعيان ولا يحتاج حتى إلى دراسات لإثبات وجوده.

وبين البغلي أن هناك تحديات وعوائق يجب على متخذ القرار ان يضعها في الحسبان عند معالجة هذه الاختلالات منها كثافة اعداد القادمين الجدد الى سوق العمل التي ستصل بحلول 2030 الى 74 الف قادم جديد سنويا، كما يتبين من التركيب العمري للسكان في عام 2011 ان حوالي 48 في المئة من جملة السكان هم تحت 19 عاما، وهؤلاء نتاج النظام التعليمي الحالي الذي يعاني اختلالات كثيرة وجوهرية.

وأضاف أن على متخذ القرار الانتباه إلى ازدياد مشاركة المرأة في سوق العمل، حيث ان توفير الوظائف للمرأة، وخاصة في القطاع العام يفرض بعض التحديات الاضافية، مشيرا إلى ضعف انتاجية عنصر العمل خاصة في القطاع العام، وعدم التوافق بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل.

وأكد أن هناك العديد من التوصيات التي يجب الاخذ بها لعلاج هذا الامر، أهمها إعادة صياغة المناهج بما يتوافق مع سوق العمل، وغرس اسلوب التفكير النقدي في المناهج لكي يكون الطالب قادراً على التقييم العام لموقفه والمخاطر التي يواجهها.

دعم العمالة

من جهتها، استعرضت مديرة الجامعة العربية المفتوحة وزيرة التربية السابقة موضى الحمود العديد من البيانات والارقام حول مخرجات التعليم الحكومي، مشيرة إلى أن هناك فجوة واضحة بين العرض والطلب في مخرجات التعليم وسوق العمل. وأكدت الحمود أن عدم الاستقرار السياسي وتغير منصب وزير التعليم المتكرر كان له اثر واضح في عدم التطوير في قطاع التعليم، خصوصاً أن الإصلاح لا يحتاج إلى أشهر فقط، ولكن إلى سنوات عديدة.

ودعت إلى اتخاذ عدد من الخطوات التي من شأنها تقليل هذه الفجوة ومعالجتها، وأبرزها العمل على مستوى السلطة التنفيذية بالدولة، ممثلة في أجهزة التخطيط وبالتنسيق مع ديوان الخدمة وجهاز دعم العمالة ووزارة الشؤون، على تحديد التدفقات من الشباب خريجي الجهات التعليمية المختلفة أو المتسربين من التعليم ومعدلات هذا التدفق إلى سوق العمل، ثم العمل على تحديد متطلبات التعديل التدريجي لهيكل القوى العاملة وتركيبة هذه العمالة وإمكانية احلال العمالة الوطنية المتعلمة في بعض المهن، وخاصة في أجهزة الدولة بشكل تدريجي، بما يمّكن الدولة من زيادة نسبة العمالة الوطنية في المهن المختلفة.

وطالبت الحمود بضرورة دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص وتعزيز السياسات الحالية ومراقبة تطبيقها خاصة في الشركات والمؤسسات الكبيرة على مستوى الدولة، وتفعيل سياسات التكويت (الفعلي) التدريجي وبنسب متدرجة، ومحاربة التوطين الوهمي للعمالة الكويتية، خاصة في المهن التي تحتاج إلى مهارات متوسطة.

وأكدت ضرورة العمل على تعديل كثير من التشريعات (من قبل الجهاز التشريعي في الدولة ومجلس الامة)، وعلى رأسها تشريعات العمل، وقانون الخدمة المدنية وهيكل الرواتب في الدولة، والذي يتبنى تسعير الشهادة كأساس لتحديد الراتب دون النظر إلى الجامعة وإلى التخصص أو المهارة التي يحملها طالب العمل.

وشددت الحمود على ضرورة تبني هيكل جديد للرواتب يعتمد على التخصص كأساس وليس الشهادة، وبالتالي قد يرتفع الراتب لبعض التخصصات والمهن وفق الطلب عليها في سوق العمل، مطالبة بمعالجة تعديل هياكل الرواتب بين الجهات ذات الكوادر الخاصة كالقطاع النفطي وديوان المحاسبة والفتوى والتشريع.

المليفي: بطء المشروعات الصغيرة وتمركز العمالة في «الحكومي»

قال نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الخريجين إبراهيم المليفي أن استضافة الجمعية لهذا المؤتمر وجلسات العمل الخاصة بدراسة واقع ومستقبل سوق العمل تأتي في وقت تتنامى فيه التحديات الاقتصادية والمهنية في المجتمع الكويتي.

وأضاف المليفي أن سوق العمل يظهر كأحد ابرز التحديات المستقبلية للسنوات القادمة في الوقت الذي زاد فيه الحديث الحكومي عن قرب انتهاء دولة الرفاه بالتزامن مع العديد من التقارير الدولية المستقلة حول خطورة الاستمرار في الوضع القائم من حيث آليات الانفاق، لاسيما مع تنامي عدد السكان وبلوغ نسبة الكويتيين دون عمر 24 عاما الى 60% من اجمالي الشعب الكويتي، في حين بلغت كلفة الرواتب والاجور وما في حكمها في الميزانية نحو 10 مليارات دينار من اصل الميزانية التي تبلغ 22 مليارا.

وأكد أن سوق العمل في الكويت يعتبر احد اوجه الاختلالات الهيكلية العميقة في الاقتصاد الكويتي، فالواقع الحالي يحتوي على العديد من التشوهات التي يصعب استمرارها على المديين المتوسط والطويل، من حيث تركز العمالة الوطنية في القطاع الحكومي وعدم اتساق مخرجات النظام التعليمي مع متطلبات سوق العمل وضعف قدرة القطاع الخاص على استيعاب شريحة اساسية من حجم العمالة الوطنية، ناهيك عن البطء الشديد في تسهيل اعمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وما يواكبها من تعقيدات تتعلق بالاراضي والتمويل.