قلنا سابقاً ونكرر اليوم بأننا بحاجة إلى تغيير جذري في البلد حتى نحسّ بتغيير حقيقي في حياتنا اليومية، فمحاولة إصلاح نماذج فاشلة وترقيعها هي تضييع للوقت والمال والجهد، والحكومة على ترديها وتخبطها إلا أنها متقدمة على أخيها شهاب الدين مجلس الأمة في هذا المجال، وأقول هذا تحديداً بعد تصريح وزيرة الشؤون بأن خصخصة الجمعيات التعاونية هي من ضمن الخطة القادمة لكنها بحاجة لدراسة أكثر.

Ad

فخصخصة التعاونيات هي خطوة في الاتجاه الصحيح حتى تخفف الدولة من أعباء إدارة- وإن كان بشكل غير مباشر- قطاع اقتصادي وتجاري ضخم، وهو قطاع مليء بالفساد والرشوة والتربح غير المشروع منذ بداية تأسيسه، وليس مؤخراً كما يدعي البعض، ويكفي أن الانطباع السائد بين الناس أنه كذلك، وكم من تجاوزات وسرقات مرت في هذا القطاع دون أي محاسبة بسبب خضوع وزارة الشؤون للضغوط النيابية والمصالح الخاصة، فلا يمكن إصلاح هكذا قطاع في ظل التأثيرات السياسية عليه، إضافة إلى فساد الناس أنفسهم الذين غالبا ما ينتخبون ويعيدون انتخاب أناس فاسدين خضوعا لاعتبارات قبلية وطائفية، مع علمهم بفساد هؤلاء المرشحين. ولذلك فإن الحل الجذري لهذا القطاع هو تخلص الدولة من هذا الحمل الثقيل بفساده عبر خصخصته بذكاء.

وأعني هنا بالخصخصة الذكية اتباع نموذج رخصة الاتصالات الثالثة التي ساهم فيها المواطنون بالقيمة الاسمية للسهم بينما ساهم فيها القطاع الخاص عبر مزايدة أدخلت على خزينة الدولة أكثر من 200 مليون دينار، أي أكثر من 4 أضعاف رأس مال الشركة نفسها، ويمكننا تطبيق مثل هذا النموذج عبر توزيع جميع التعاونيات جغرافيا بالتساوي على شركتين أو ثلاث، بحيث يكتتب المواطنون بجزء من كل شركة على أن يطرح جزء آخر للهيئة العامة للاستثمار، والجزء الأخير للمزايدة بين الشركات الكبرى المتخصصة في قطاع التجزئة، وبذلك نخلق تنافسا يحد من ارتفاع الأسعار التي إن زادت فسيعوضها المواطنون عبر زيادة أرباحهم من مساهمتهم في هذه الشركات. طبعا سيأتي من يقول إن التعاونيات مؤسسات خاصة ولا يمكن خصخصتها، وحل ذلك بسيط لأن الدولة تستطيع إلغاء عقود تأجير هذه الجمعيات لأملاك الدولة، وبذلك ستجبر كل جمعية على بيع نفسها على الحكومة تمهيداً للخصخصة.

أدرك أن هناك خوفاً من هيمنة الشركات على قطاع التجزئة في حال خصخصة التعاونيات، لكنه خوف في غير محله، وبالعكس قد تؤدي الخصخصة إلى انخفاض الأسعار لأنه إذا كبرت الحصة السوقية لكل شركة فإنها ستعتمد على زيادة المبيعات بأسعار منخفضة أو كما يعرف بعلم الاقتصاد بـ(economies of scale)، كما أنها ستشجع الشركات المتنافسة على إنتاجها الذاتي لكل صنف، وهو أمر بدأت بعض الأسواق المركزية الخاصة بتطبيقه فعليا بالرغم من صغر حصتها السوقية في هذا القطاع، وعادة ما تكون الأصناف التابعة لشركة التجزئة نفسها هي أرخص من أصناف العلامات التجارية الأخرى المتوافرة في السوق، وأبرز مثال على ذلك منتجات علامة (التعاون) التجارية.

كما أن دخول الشركات الكبرى لإدارة قطاع التجزئة في الكويت سيطور من الخدمة ويجلب الاستثمارات وهذا ما نحتاجه؛ لأن رخص الأسعار ليس كل ما يهم المستهلك، فمتعة التسوق في أسواق منظمة ومتطورة أيضا تهم المستهلك، ولذلك نرى عدداً لا بأس به من المواطنين يشترون حاجياتهم من الأسواق المركزية الخاصة مع أنه غير مساهم فيها ولا يتلقى أرباحا من مشترياته منها. وقد سبق في الهند (مثلا) أن اعترض العديد من السياسيين على دخول شركات التجزئة الكبرى مثل "وولمارت" و"كارفور" إلى السوق الهندي خوفاً من تهديدها للأسواق المركزية التي تعتبر مشاريع صغيرة مملوكة لعائلات هندية، وبعد تأجيل لعدة سنوات حسم الموضوع لدخول هذه الشركات في السوق الهندي لأنها ستطور من الخدمة التي ظلت متخلفة لعقود طويلة نتيجة غياب المنافسة الجدية، كما أنها ستجلب الاستثمارات للمزارع الهندية وتحسن من شبكة النقل والتوريد وإدارة العمليات من هذه المزارع إلى أسواق التجزئة.

الخلاصة أن فساد القطاع التعاوني لن يجدي معه الترقيع خاصة مع كم الضغوط السياسية لحماية المفسدين في البلد، ولذلك سنجد الكثير من التعاونيين يهاجمون الخصخصة لأنهم مستفيدون مادياً بشكل كبير من الوضع القائم الذي هو حتماً ليس في مصلحة عامة المستهلكين.