حسم التحالف الكردستاني موقفه من توحيد الخطاب التفاوضي في ملف الحكومة العراقية المقبلة، بعد أن جرى احتواء مرن لحزب الرئيس جلال الطالباني في حكومة إقليم كردستان، ووضعت أربيل حداً لتكهنات رئيس الحكومة الاتحادية نوري المالكي، بشأن إمكانية شق الصف الكردي واستمالة بعض أحزابه للمشاركة في حكومة أغلبية سياسية تترك في خانة المعارضة، الزعيم الكردي مسعود البرزاني المعروف بموقفه العنيد الرافض لمنح المالكي ولاية ثالثة.ويعني هذا أن حزب الدعوة الحاكم سيركز جهوده على تمزيق الموقف السني والشيعي، سواء بضغوطات عسكرية وقضائية، أو بإغراءات تتعلق بالمناصب والوزارات التي توزع تقليدياً بين الأحزاب. ويبدو الموقف الشيعي أكثر وضوحاً، إذ ان عمار الحكيم ومقتدى الصدر الحاصلَين على 65 مقعداً في الانتخابات التشريعية الأخيرة مقابل 92 للمالكي، وحّدا موقفهما منذ شهور، وسيكون صعباً التأثير على رفضهما الولاية الثالثة للمالكي، وبقي نحو 20 مقعداً شيعياً بلا موقف حاسم، تنتظر بروز الطرف الأقوى للتحالف معه وضمان "الغنيمة" من الوزارة المقبلة.وفي خطوة مثلت أكثر من مجرد مناورة، نجح أحمد الجلبي في جمع معارضي المالكي الشيعة، حتى المقاعد المترددة، في بيت والده ببغداد، والذي كان يشهد اجتماعات حاسمة في العهد الملكي لتحديد انهيار الحكومات وتشكيلها، ليعلن التئام شمل "الائتلاف الوطني" الشيعي المعارض للولاية الثالثة، ووضع شروط لإعادة بناء التحالف الوطني (الكتلة الشيعية الكبيرة التي رشحت المالكي عام 2010) الذي تضغط إيران لبقائه موحداً.وقال الجلبي بوضوح إن توحيد الموقف الشيعي أمر حسن، شرط أن ينجح الشيعة في تقديم مرشح مقبول من باقي الأطراف الكردية والسنية، في إشارة واضحة إلى ضرورة تغيير "المفاوض الشيعي". وانتقد هذا التجمع بوضوح، خطوة غريبة قام بها المالكي مطلع الأسبوع، حين أمر الشرطة بملاحقة طلبة علوم شرعية باكستانيين يدرسون في النجف، بحجة انتهاء إقاماتهم، وهي خطوة غير مسبوقة استهدفت تهديد المرجع الديني بشير النجفي (الباكستاني) الذي أصدر فتوى بحرمة التصويت لمصلحة المالكي، ما يؤكد أن المواجهة "الشيعية الشيعية" بلغت أقصى مداها، بما يُعقِّد مهمة طهران في إقناع الأحزاب الشيعية بدعم المالكي.وعلى المستوى السُّني، ظلت الشكوك تعتري مواقف الجميع، إذ لم يحصل حزب سني محدد على أغلبية واضحة تمثل السُّنة، ويبدو أن كثيراً من الأطراف السنية تخشى أن تصمد في معارضتها للمالكي، بينما تفشل هذه الجهود وتؤدي إلى بقائها في المعارضة بلا "ريع" المناصب التنفيذية المغري. لكن أسامة النجيفي رئيس مجلس النواب، وأياد علاوي زعيم القائمة الوطنية، يحاولان إقناع الأحزاب السُّنية بأن قيمة أي منصب تنفيذي ستتضاءل وستحرم صاحبه من الحماية السياسية، إذا لم تظهر كتلة مفاوضة كبيرة تعيد إحياء القائمة العراقية التي تفتت في هذه الانتخابات، بينما حصلت عام 2010 على 91 مقعداً.وتقول التقديرات إن النجيفي وعلاوي يستطيعان توحيد نحو 50 مقعداً سنياً هذه المرة، بدعم أكيد من الأكراد، وتفاهمات ترعاها تركيا، بينما يظل نحو 25 مقعداً سنياً في دائرة التردد والريبة، مع إمكانية ذهابهم لدعم المالكي.وعلى أي حال فإن العراقيين يواجهون معادلات جديدة بالكامل ومفهوماً استثنائياً لحكومة 2014، لا تعقد صوغ ميزان القوى الداخلي فحسب، بل تضع عراقيل كبيرة أمام "الوساطات الخارجية" التي كانت تأتي على شكل نفوذ سهل نسبياً، يحسم الخلافات الكبرى ويخفف الانقسامات، بينما أدت الطموحات الشخصية والعائلية للمالكي، إلى تخريب التسوية التقليدية، وأظهرت واشنطن وطهران كطرف عاجز عن كبح جماحه، ما جعل تشكيل الحكومة الجديدة أصعب بكثير لأنه بمثابة إعادة صوغ اتفاق تاريخي جديد، يعرّف ضمانات ويطيب خواطر، وليس محض توزيع وزارات وتشكيل ائتلافات.
آخر الأخبار
تشكيل الحكومة العراقية يحتاج إلى «اتفاق تاريخي» صعب
23-05-2014