تقع أحداث فيلمه الأخير، The Grand Budapest Hotel، في دولة زوبروكا الخيالية. صحيح أن هذه القصة تتخطى عدداً من الفترات الزمنية، تدور الأحداث الرئيسة في ثلاثينيات القرن الماضي في إطار تلوح فيه الحرب في الأفق. فيقبل بواب دقيق إنما عنيد يُدعى السيد غوستاف هـ. (رالف فينز) بتوظيف لاجئ شاب يُدعى زيرو مصطفى (توني ريفولوري) كحمال. يشارك أيضاً في هذا الفيلم ف. موراي أبراهام بدور مصطفى المسن وتوم ويلكنسون وجود لو بدور الكاتب في مراحل مختلفة من حياته، فضلاً عن مجموعة مذهلة من الممثلين مثل بيل موراي، تيلدا سوينتون، أون ولسون، سيرشا رونان، إدوارد نيوتن، جايسون شوارتزمان، ماثيو أمالريك، وليا سيدو.

Ad

يتمحور الفيلم حول إرث متنازع عليه، لوحة مفقودة، سجن مؤقت، عدد من المطاردات المنفصلة، جمعية سرية، وخطر التعرض لاجتياح وشيك، ما يجعل الفيلم يبدو أحياناً أشبه بدعابة. فضلاً عن ذلك، يُعرب فينس عن تألق غريب غير مألوف.

يتمتع الفيلم، الذي بدأ عرضه أخيراً في الولايات المتحدة، ببنية أطر معقدة تطرح قصة داخل قصة داخل قصة داخل قصة (شارك أندرسون، الذي رُشّح مرتين لجائزة أوسكار أفضل كاتب سيناريو، صديقه الفنان هوغو غينس في كتابة نص هذا الفيلم). يتناول من بين محاور كثيرة مسائل تأدية دور المرشد، نهاية الحقبات، ومدى تأثيرات الصدمات خلال مرحلة الشباب في مراحل حياة الإنسان الأخرى. ويجب ألا ننسى بالتأكيد المعجنات.

برزت محاور الفناء، هشاشة العلاقات الرومانسية، وأهمية التعامل مع الحياة بحس مغامرة في أفلام أندرسون الأخرى، وتجلت غالباً من خلال شباب بسيط يعاني الألم لاحقاً في حياته. كذلك تعكس هذه الأفلام أسلوبه الراسخ الذي يجمع بين الفكاهة الصريحة والسوداوية المؤلمة، اللتين تظهران من خلال مشاهد بصرية مبنية بدقة. صوّر أندرسون والمصور السينمائي روبرت يومان، الذي تعاون معه منذ زمن، Budapest على شريط بقياس 35 مليمتراً وأدخلا عليه بعض التعديلات للإشارة إلى تبدّل الحقبات الزمنية. يعتبر أندرسون أن كل فيلم يمثل له {بداية جديدة} هدفها تجديد حب الاستكشاف بالنسبة إليه كمخرج وإلى المشاهد أيضاً.

ذكر أندرسون أخيراً في دردشة هاتفية معه من منزله في نيويورك: {أعتبر كل فيلم كرة من الشمع، إذا جاز التعبير. فهمتم قصدي، أليس كذلك؟}. وأضاف: {لا أعلم لمَ تبدو هذه الأفلام مميزة. أُدرك أن المشاهدين غالباً ما يعتبرون أفلامي مترابطة، وأفهم سبب ذلك تماماً. ولكن بالنسبة إلي، تكون قصة كل فيلم مختلفة. ولا أبذل أي جهد لأجعلها متشابهة. أكتفي بالتصوير بالطريقة التي أراها مناسبة}.

عُرض هذا الفيلم، الذي صُوّر في ألمانيا، للمرة الأولى خلال الأمسية الافتتاحية لمهرجان السينما الدولي في برلين. فوصفته مجلة Variety بأنه {أكثر أفلام أندرسون شغفاً وتأثيراً حتى اليوم}. أما Village Voice فقللت من شأنه، مشبهة إياه {بمنزل دمى معدّ بإتقان}. فقد تحوّل أندرسون منذ مدة إلى شخصية مثيرة للجدل تحظى بالكثير من الاهتمام السلبي منه والإيجابية.

يوضح مات زولر سيتز، معدّ {مجموعة ويس أندرسون} (دراسةً عن كامل مسيرته المهنية شملت مقابلات مع المخرج تناولت أعماله السابقة): {لا أحاول أن أفهم لمَ لا يتجاوب البعض مع أعماله. لكن هذه حال البعض. يظنّ عدد من المحللين أن أعماله قد تكون محيرة لمن يتوقعون أن تكون الأفلام بسيطة خاليةً من أي تعقيد}.

ويتابع سيتز قائلاً: {يخال الناس أن أفلامه ستكون خفيفة وحبكتها سطحية، إلا أنها تشمل غالباً عنصراً من السوداوية والحزن وأحياناً الانحراف. لا يمكنني التفكير في مخرج آخر نجح في تحقيق إنجاز مماثل. تشبه أعمال ويس أندرسون قصة تشارلي براون، إن حدّثها لويس بونويل}.

نتيجة لذلك، يفوق تأثير أندرسون الثقافي بطرق عدة ما يحققه من عائدات على شباك التذاكر (مع أن فيلم Moonrise Kingdom جذب عدداً أكبر من المشاهدين، مقارنةً بأفلامه السابقة، وأصبح بذلك أنجح أعماله بعد The Royal Tenenbaums). فإذا سرتَ في حي مليء بالشبان في إحدى مدن الولايات المتحدة، ترى أناساً تخالهم خرجوا لتوهم من فيلم لأندرسون. ويمكن اعتبار التوجه الأخير في أعماله نحو الفني والحرفي محاولة بارزة تتماشى مع خطه الجمالي.

تُبرز التفاصيل الدقيقة الحساسية المفرطة. فالمحرمة المطرزة، التي تظهر بشكل سريع وراء العنوان Budapest، هي من صنع أولمبيا لي-تان، المصممة التي تشتهر بحقائب اليد الشبيهة بالروايات. كذلك يقدّم أندرسون الشكر لصانعي الشوكولا، الأواني الصينية، اللوحات، وغيرها من التفاصيل العابرة. ومن المرجح أن يعمد عدد من المخرجين، على غرار أندرسون، إلى إعداد لائحة على شبكة الإنترنت عن المسؤولين عن {معظم التفاصيل التي تُنسى غالباً} في أفلامهم. لكن هذه الخطوة، إذا لم تأتِ مدروسة ومتقنة، قد تتحوّل على نوع من الفوضى المبالغ فيها. فقد أعد برنامجَي Saturday Night Live وكونان أوبراين لقطات فكاهية مستوحاة من عمل أندرسون هذا.

أما أندرسون نفسه، فلا يملك أي وقت فراغ يخصصه لمنتقديه. يتمتع هذا المخرج، الذي ولد في تكساس ويتحلى بتهذيب واضح، بطبع حاد سريع الاشتعال يتجلى بعض الشيء عند سؤاله: لمَ يعتبر البعض أعماله مزعجة؟

يجيب: {ماذا أقول؟ هل أعدّل عملي لأن البعض يعتبرونه مزعجاً؟ أعتقد أن هذا سخيف. فهذه الأفلام هي كل حياتي}.