أكتب من مكان بعيد جداً عن المنطقة وما يحدث فيها، والتي فرضت تداعياتها على سياق اللحظة، وخلقت سوقاً رائجة لتوقعات المستقبل سواء القريب منه أو البعيد.

Ad

في سنة ١٩٧٥ كتب بول إيردمان روايته "ارتطام الـ٧٩" (The Crash of 79)، وتتحدث الرواية عن تغيرات جذرية في منطقة الخليج وآبار النفط سيكون محورها ومحركها الأساسي إيران والسعودية؛ فما إن جاء عام ١٩٧٩ حتى كان شاه إيران قد رحل بلا رجعة، وحلت بالسعودية حادثة جهيمان.

ومع أن إيردمان كان قد خلط الخيال بالواقع، ورغم أن الأحداث التي جرت حينذاك في المنطقة لم تتبع السياق الروائي الذي ذكره إيردمان، فإن الكتاب حصل على شهرة كبيرة، وحقق مبيعات رائجة بعد أربع سنوات من صدوره، لأنه تحدث عن أحداث كبرى ستحدث في البلدين، وكأن الناس يبحثون فيه عن تفسير لما حدث.

نعيش في هذه الحقبة حالة مخاض متعسرة، لا يبدو أن لها نهاية محسومة، وربما تفتح شهية الكثيرين لطرح التوقعات، والحتميات والمتغيرات، وفي تلك المراجعات يحدث خلط كبير بين الحقيقة والرغبة، بين الواقع والمطلوب، بل إن البعض مازال يرفض إمكانية حدوث متغيرات جذرية، وكأن منطقتنا لا علاقة لها بالدنيا.

عصفت بالعالم برمته منذ ثمانينيات القرن الماضي، باستثناء المنطقة العربية، متغيرات جذرية حادة، انقسمت فيها دول واتَّحدت فيها دول، وخرجت فيها دول إلى حيز الوجود لم تكن موجودة فيه أصلاً، بل إن الاتحاد السوفياتي وحده أنجب قرابة خمس عشرة دولة جديدة، ويوغوسلافيا خرجت منها سبع دول، وعادت ألمانيا موحدة، وتوحَّد اليمن، وغير ذلك من المتغيرات.

فلماذا يتوقع المتوقعون، من أنصار الوضع القائم، ألا تحدث متغيرات في المنطقة العربية؟ خارطة الأحداث العربية لا تدل على ما هو أدنى من ذلك، من العراق إلى سورية إلى اليمن إلى لبنان إلى ليبيا إلى تونس وغيرها. لا أجزم بأن التغيرات ستكون بالحدة المطروحة رغم أن التوقعات التي سمعتها في بعض الندوات الأخيرة في عدة عواصم غربية تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.