عندما وُضع مصير ملك بافاريا بين يدي برنهارد فون غودن، كان الأخير شخصية بارزة في الأوساط الطبية. فلم يطوّر هذا الطبيب آلة تستطيع تقطيع دماغ الإنسان إلى دوائر دقيقة لإجراء الأبحاث، بل كان قد صنع لنفسه اسمًا في مجال علم النفس، الذي كان لا يزال في المهد حينذاك. فقد شدد غودن على أن ما دُعي «العلاج الأخلاقي»، الذي كان يشمل عادة ممارسة العنف ضد مَن يعانون الأمراض العقلية، لا يشكّل على الأرجح علاجًا شافيًا.رغم ذلك، أفسد عالم النفس هذا كاملاً حالته الأشهر. فقد قدّم الطبيب مع بعض زملائه التشخيص التالي: {يتأرجح مثل رجل أعمى من دون توجيه على حافة الهاوية}. كان هذا الملك المريض لودفيك الثاني، أحد أشهر ملوك بافاريا. فقد ذاع صيته لأنه لُقّب بـ}الملك لودفيك المجنون}، ولأنه بنى بعض أجمل القصور التي لا تزال تزين هذه الولاية الألمانية الجنوبية، بما فيها قصر نويشفانشتاين الشهير عند سفح جبال الألب. أعلن غودن وزملاؤه أن لودفيك الثاني ليس أهلاً لإدارة شؤون البلاد. فأدى التشخيص إلى أنزاله عن العرش في 10 يونيو 1886. ولكن بعد ثلاثة أيام، غرق هو وغودن في حادث غامض في ما يُعرف اليوم ببحيرة ستانبرغ جنوب ميونخ.ولكن هل كان التقرير الطبي الحاسم دقيقًا؟ وهل استند حقًّا إلى تشخيص حقيقي يتناسب مع معايير تلك الفترة؟ ومَن كان المستفيد من خلع لودفيك الثاني؟ حاولت مجموعة يقودها عالم النفس هانز هافنر من مانهايم تقديم الأجوبة عن هذه الأسئلة.ما من دليلتتعارض اكتشافاتهم، التي نُشرت أخيرًا في مجلة History of Psychiatry، مع الخلاصة التي توصل إليها غودن. يذكر هافنر أن سلوك الملك لم يقدّم مطلقًا {أدلة ملموسة على مرضه العقلي المزعوم}.امتنع مؤرخون كثر عن التشكيك في الخلاصة أن الملك المتحدر من أسرة فيتلزباخ كان مريضًا عقليًّا. فقد منح لودفيك معاصريه أسبابًا كافية للتشكيك في سلامته العقلية. أغرق مملكته في ديون كبيرة بسبب مشاريع البناء المبالغ في ضخامتها. وتجاهل التحذيرات من أنه لم يُسمح له بمتابعة بناء مشاريعه العمرانية بالتهديد بالانتحار.علاوة على ذلك، هدد خادمًا سيئ السلوك بنفيه إلى أميركا. كذلك أراد منع خادم آخر من وضع الحليب في قهوته. حتى إنه أثار استياء أفراد عائلته بسبب سلوكه الغريب. ولكن هل هذا كافٍ لاعتباره مجنونًا؟اكتشف هانز هافنر أنه كان يكدّ في العمل، بخلاف ما أشيع عنه. فقد راجع جلالته كل سنة 800 وثيقة تتعلق بالشؤون البافارية المحلية وحدها. وقبل أيام من خلعه، كان الملك قد أنهى العمل على مجموعة من الأوراق التي وقعها وأرسلها إلى وزرائه. وقد اعتاد لودفيك إدارة شؤون الحكم بسرعة أكبر من سلفه، ماكسيميليان الثاني، وفق هافنر.قد يعود تشخيص غودن لجنون الارتياب والاضطراب العقلي إلى أساليب هذا الطبيب الغريبة بحد ذاتها. فبدل فحص الملك نفسه، ارتكز في تقريره على مقابلات مع عدد من مساعديه التقاهم سرًّا خلال اجتماعات ليلية.ملك محرجأرسل غودن إلى رئيس مجلس وزراء بافاريا، يوهان فون لوتز، برقية ذكر فيها: {أكّد تشخيص شخصي التقييم المكتوب}. لكن هذا بالتأكيد كان كذبًا.مع الإطاحة بلودفيك، اعتلى العرش عمه ليوبولد بصفته الوصي. لكن هذا الانقلاب لا يرتبط بالتعطش إلى السلطة بقدر ارتباطه بمجموعة مبررة من الدوافع. فلم يكتفِ لودفيك بإغضاب عائلته وأوشك أن يدفع ببلده نحو الإفلاس. كذلك أحرج العائلة الملكية البافارية في كل مناسبة. على سبيل المثال، أُرغم وزير الحرب جوزف ماكسيميليان فون مايلينجر على ترك منصبه عام 1885. ويعود ذلك إلى أن الملك المثلي الجنس لم يستطع منع نفسه من استمالة عشاقه من إحدى فرق الخيالة.نتيجة لذلك، كان تشخيص غودن الخاطئ مرحبًا به. لم تكن النتيجة المميتة مقصودة على الأرجح، ولكن لا يمكن استبعادها لأن لودفيك واجه احتمال احتجازه في زنزانة ملكية في قصر بيرغ على شواطئ بحيرة ستانبرغ وُضعت على نوافذها قضبان حديدية وزودت بأبواب لها فتحات مراقبة من دون مقابض. ولا شك في أن هذه معاملة قاسية بالنسبة إلى رجل يُعتبر سلوكه اليوم، في أسوأ الأحوال، اضطرابًا في الشخصية. وهذا تشخيص يتعايش معه كثيرون اليوم من دون أن يُحتجزوا بعيدًا.
توابل - EXTRA
الملك لودفيك المجنون! دراسة تدعي أنه كان عاقلاً
08-02-2014