يقول ابن منظور في كتابه «لسان العرب»، إن العوز هو أن يعوزك الشيء وأنت إليه محتاج، وقال أبو مالك: يقال أعوزني هذا الأمر إذا اشتد علي وعسر وأعوزني الشيء يعوزني أي قل عندي مع حاجتي إليه، ورجل معوز قليل الشيء، وأعوزه الشيء إذا احتاج إليه فلم يقدر عليه، والعوز بالفتح العدم وسوء الحال.

Ad

والعوز هو أيضاً حالة مصرية، اعتدنا عليها منذ قرابة أربعة عقود؛ عوز على مستوى الدولة، ومستوى الأفراد، حتى أصبح الهم الرئيسي لكل فرد، ولكل مسؤول في هذا البلد، هو كيفية الخروج من هذه الحالة المؤرقة، التي يحاول البعض الخروج منها، ويحاول البعض الآخر التأقلم معها، لكن الأكيد أنه لا تقدم لهذا البلد، كما نتمناه، سيحدث، ما لم يخرج من هذه الحالة التي تشبه القيود التي تكبل حركته، وتقدمها للأمام، ولا تختلف عن رب أسرة يقدم كل راتبه الشهري للأقساط والديون والمشتريات المنزلية، دون أن يستطيع تدبير مبلغ ليجمل منزله، أو يطوره أو يغيره أو يحسن حاله.

يمكن أن نقول إن حالة العوز بدأت مع مصر مع نكسة 67، عندما وجدت الدولة نفسها واقعة في أتون الحرب، فوجهت كل طاقاتها الاقتصادية للخروج من هذه الحرب منتصرة، واستنزفت كل مواردها، دون أن تجد من يمد يده إليها وقتها باعتبارها خط الدفاع الرئيسي والأول عن القضية العربية، وبعد انتصار أكتوبر 1973، وجدت الدولة نفسها واقفة وحيدة، وقد نفد معظم مواردها، دون أي مساعدة تتلقاها من أي دولة.

انعكست حالة العوز من هذه اللحظة على الدولة وعلى الأفراد، الذين حاول بعضهم السفر إلى الخليج للهروب من حالة الفقر والحاجة، وانعكست على الدولة التي اتخذت إجراءات اقتصادية عرفت فيما بعد بالانفتاح الاقتصادي، لكنها لم تشف الجرح، وهو ما وضع مصر في خيارات سياسية واقتصادية دفعت إليها دفعاً، لأنه لم يكن لديها البديل، وظلت حالة العوز مستمرة، مع استمرار معارك الدولة ضد الجماعات المتطرفة أواخر السبعينيات من القرن الماضي، ثم الإرهاب طول الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ومع استمرار سياسات اقتصادية داخلية لم تقدم الحل ولا البديل للحالة التي تعانيها البلاد.

انعكست حالة العوز على كثير من تفاصيل الحياة اليومية، مرة في صورة فساد مجتمعي وتقنين الرشوة، وتارة في انهيار بنية التعليم والصحة، مع زيادة مطردة في السكان، وتناقص مطرد في الدخل، وهكذا ظلت مصر تدور في هذه الدائرة ولا تخرج منها.

ازدادت حالة العوز منذ 25 يناير، وطوال 3 سنوات، ظلت مصر فيها تنزف اقتصادياً وسياسياً ومجتمعياً، وهو ما انعكس على حالة المجتمع والفرد، من زيادة في البطالة والفقر وارتفاع الأسعار والتضخم، وهو ما ضاعف حالة العوز.

الهدف الأول في المرحلة المقبلة، هو تخليص مصر من هذه الحالة التي عاشت معها طويلاً، فما يجب أن ندركه أن المخرج الأول والرئيس من هذه الحالة التي نعيشها، هو الخروج من حالة العوز التي تعانيها البلاد، وهذا لن يتم إلا بالعمل والاصطفاف من أجل هذا الوطن، ووقتها يمكن أن نحقق ما نحلم به من مستقبل أفضل لهذا الوطن.