تتعلق أبرز الآراء المؤسفة، التي تصدر عن البيت الأبيض، في ما يخص مفاوضات إيران النووية، بالفكرة القائلة إن كل من يدعم تشريع عقوبات جديدة (بما في ذلك عدد من الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ) يقوم فعليا بـ"التصويت على الحرب".لكن هذا الرأي غير صحيح. فقد كانوا يصوتون على طريقة بديلة للتعامل مع إيران. إنها مقاربة مبنية على النتائج والوقائع، وهي تصطدم بعدد من الأسس التي تقوم عليها مقاربة كيري- أوباما للتفاوض. لا يدعو قانون العقوبات الجديد، الذي أقره مجلس الشيوخ (لكن جرى تعليقه الآن بنجاح) إلى فرض عقوبات جديدة فوراً. ما فعله هو السعي إلى وضع أساس صلب لعملية التفاوض: إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال 12 شهراً (ستة أشهر من "الاتفاق المؤقت"، فضلاً عن فترة سماح طوال ستة أشهر أخرى)، سيتم تفعيل العقوبات.طُبقت هذه المقاربة لسبب وجيه. لم يشأ المشككون (أو ربما البراغماتيون أيضاً) أن تتابع طهران استئناف المفاوضات إلى ما لا نهاية. كانوا يخشون أن تنتظر إيران بكل بساطة حتى يرتفع مستوى اقتصادها تزامناً مع تخفيف العقوبات تحت ضغط توقعات السوق، ثم تعقد صفقة من موقع قوة.يرفض أوباما هذا التحليل بشكل قاطع باعتباره يبث الذعر من دون مبرر، فهو يعتبر ان العقوبات كانت "محدودة ويمكن عكسها"، وأن إيران ستشعر بضغوط شديدة لضمان التوصل إلى اتفاق فاعل.لكن سبق وبرزت مؤشرات على أن التحليل البراغماتي يبدو صحيحاً. اتضح في الشهر الماضي أن روسيا شاركت في مفاوضات على صفقة تجارة/ مقايضة بقيمة 1.5 مليار دولار في الشهر.وخلال هذا الأسبوع، زار طهران 116 شخصاً من كبار رجال الأعمال الفرنسيين (شملوا ممثلين عن شركات مثل "رينو" و"توتال" و"إيرباص") في مهمة تجارية، ما يشير إلى أن توقعات السوق بدأت تتحسن: حين يشاهد الرؤساء التنفيذيون الألمان نظراءهم الفرنسيين وهم يتسابقون إلى طهران للفوز بالصفقات، يمكن أن نراهن على أنهم لن يتأخروا في القيام بالمثل.في الحالتين معاً، احتج البيت الأبيض ووزارة الخارجية على ما حدث رسمياً ووصفوا الوفود الفرنسية والصفقات الروسية بـ"غير المفيدة"، واعتبروا أنها "مصدر قلق جدي".ربما يشعرون بقلق فعلي ويخشون أن تتلاشى ورقة الضغط التي يستعملونها خلال المفاوضات، نظراً لصعوبة إقناع طهران بالتخلي عن برنامجها النووي في أي صفقة إذا حصلت إيران على ما تريده في مطلق الأحوال (التعافي الاقتصادي).لكن ثمة نظرية أخرى مفادها أن البيت الأبيض نفسه يرغب في حصول ذلك. يكفي أن نراجع كلام ويندي شيرمان، أبرز مفاوضة أميركية في الملف الإيراني، حين طرحت أدلة أمام لجنة مجلس الشيوخ هذا الأسبوع رداً على المناورة التجاربة الفرنسية:"نأمل ألا يقصد الناس طهران. هذا ما نفضله. لكن كل من يذهب إلى هناك يزيد الضغوط على إدارة روحاني كي تقوم بالواجبات المترتبة عليها. ولتحقيق ذلك، تقضي الطريقة الوحيدة بعقد اتفاق شامل يجب أن نوافق عليه، ما يعني إعطاء ضمانات موثوقة على أنهم لا يطورون أو يصنعون أو ينوون الحصول على سلاح نووي.صحيح اننا لا نريد أن يذهب الناس إلى هناك لأننا نظن أن هذا التحرك سيوجه رسالة خاطئة. لكن إذا ذهبوا في مطلق الأحوال فستزداد الضغوط على إدارة روحاني. وفق ما شاهدناه حتى الآن، لم تُعقد أي صفقات بعد بل ينتظر الناس على أمل أن يُعقَد اتفاق يوماً".لا مفر من التساؤل عمّا إذا كان البيت الأبيض مسروراً بما يحدث. ربما تستحق هذه الاستراتيجية المحاولة كي تصدق طهران وعود الازدهار التجاري والمالي قبل عقد الاتفاق.هل هذه المقاربة حكيمة فعلاً؟ يجب أن نكون حذرين كي لا نفرط في تقديم المكافآت، وإلا قد نكتشف أن الفريق الآخر ينتظر الفرصة لانتزاع المكافأة دون أن يسير في الاتجاه الصحيح.في تلك المرحلة، لابد من اللجوء إلى عقوبة كبرى. لكن في ما يخص إدارة أوباما، أصبح ذلك الخيار مستبعداً بعد الموقف الكارثي في سورية. لن يتحمل الرأي العام هذا الخيار، كما أنه لن ينجح في مطلق الأحوال.لايزال الوقت مبكراً لنجزم بنجاح استراتيجية البيت الأبيض. لكن يجب أن يدرك الجميع أنها تحمل مجازفة كبرى.في أي مفاوضات فاعلة، نبدأ بتسويق أهم الشروط ثم ننتقل للتفاوض على التنازلات التي يمكن تقديمها.بدأت ألمانيا والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، مجموعة (5+1)، تلك المفاوضات عبر تسويق شرطها الأساسي لدرجة أن أشخاصاً مثل جاك سترو يُرسَلون إلى طهران لتحذير المشككين من خطر أن تنسحب طهران إذا كان أداؤنا صارماً في الصفقة.الأمر يشبه لعب القمار وتحذير اللاعبين مسبقاً بأنهم سيحتاجون إلى رهان كبير للتفوق عليك.تريد إيران أن تتعافى اقتصادياً (لهذا السبب حضرت إلى طاولة المفاوضات)، ويمكن اعتبار أن أفضل وقت لطلب شرط جوهري يكون في أضعف المواقف، أي عندما جرت المحادثات الثنائية عبر الإنترنت في السنة الماضية على الأرجح.منذ ذلك الحين، بدأت الضغوط (التي تحقق النتائج في المفاوضات) تتلاشى. بما أن التهديد العسكري يبقى مستبعداً، لم يكن عبء العقوبات كمحرك حقيقي للتغيير أثقل مما هو عليه اليوم.لكن عند الإصغاء إلى ويندي شيرمان، ندرك أن البيت الأبيض بدأ يتجه إلى إضعاف تلك الضغوط أيضاً، إذ يمهد المسؤولون من المعسكرَين الطريق لعقد المحادثات خلال الأشهر الستة الأولى.في فترة المفاوضات على اتفاق مؤقت في جنيف، كان كبار الدبلوماسيين الذين يدعمون الاتفاق من وراء الأبواب المغلقة ويحاولون إقناع الصحافيين وأعضاء مجلس الشيوخ به في واشنطن مصممين على عقد صفقة في تلك الفترة.اليوم، يكتب أشخاص من أمثال الصحافي ديفيد إيغناتيوس في "واشنطن بوست" (وهو الشخص الذي يجب أن نقرأ مقالاته لمعرفة ما يفكر به أوباما كما يُقال):"يشكك الإيرانيون والأميركيون في مجالسهم الخاصة باحتمال التوصل إلى اتفاق نهائي خلال تلك المهلة الزمنية، لكن إذا استمرت المفاوضات التي تحمل نوايا حسنة، قد تتفق إيران وألمانيا والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن على تمديد فترة التجميد المؤقت لستة أشهر إضافية. التزمت الولايات المتحدة الصمت على المستوى الرسمي حول أي تمديد مماثل".اللعبة التي يمارسها الأفرقاء هنا واضحة. في ما يخص العقوبات والمهل الزمنية، بدأت الأهداف تتغير مثلما توقع عدد من المشككين.لنأمل ألا تتحقق جميع توقعاتهم تباعاً!
مقالات - Oped
لعبة أوباما الخطيرة مع إيران تتكشف ملامحها!
12-02-2014