قبل نحو أربع سنوات، أحرجت لجنة جائزة نوبل النرويجية الرئيس الأميركي باراك أوباما بمنحه جائزة نوبل لا يستحقها.

Ad

أغدقت عليه اللجنة المديح في إعلانها لأنه "ولَّد جواً جديداً من السياسات الدولية". لكن الأجواء ما لبثت أن تبدلت مجدداً. جاء في هذا الإعلان أيضاً أن اللجنة "علقت أهمية كبيرة على رؤية أوباما لعالم خالٍ من الأسلحة النووية وعمله لتحقيق هذه الرؤية".

رد أوباما بمناورة دفاعية ذكية. فسافر إلى أوسلو للدفاع عن الحرب. لكنه أمضى السنوات الأربع التالية (متكبداً أحياناً كلفة باهظة في السياسات الداخلية وغيرها من المصالح والعلاقات الأميركية) ليؤكد أنه يستحق هذه الجائزة لأسباب لا تقتصر على "رؤيته". فعقد اتفاقية "ستارت" (START) جديدة مع روسيا، مخفضاً بالتالي ترسانتَي هذين البلدين النوويتين بعد مفاوضات مضطربة. كذلك قايض خططه لقلب ميزان القوى ضد بشار الأسد في سورية بالتخلص من الأسلحة الكيماوية. وفي جنيف، عمل أوباما ووزير خارجيته جون كيري بدأب وسعيا إلى توقيع اتفاق مؤقت يمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، علماً أن كثيرين ظنوا أن هذا غير ممكن.

انتُخب أوباما كرئيس يعارض الحرب. إلا أن إرثه انقسم بين إنهائه حربين وتصعيده حملة الطائرات الأميركية بدون طيار والغارات شبه العسكرية في منطقة تمتد من باكستان إلى الصومال. لكنه أوضح في البيت الأبيض أخيراً الصورة التي يود أن يتذكرها الناس عنه. قال الرئيس: "من واجبي أن أحاول حل خلافاتنا سلمياً بدلاً من أن أسارع إلى خوض الصراعات".

صحيح أن أوباما بدل موقفه من قضايا كثيرة، على غرار معظم السياسيين، إلا أنه ظل ثابتاً في هذه المسألة. فقد بلغ النضج السياسي في معسكر الحركة المناهضة للأسلحة النووية في ثمانينيات القرن الماضي. وصاغ مسيرته السياسية بقرار معارضة حرب العراق الذي بدا تافهاً عام 2002. لطالما نظر أوباما إلى مسائل الحرب والسلام والدبلوماسية نظرة مختلفة، مقارنة بنظرائه. فخلال إحدى مناظرات الحملة الرئاسية في كارولاينا الجنوبية عام 2007، طُرح عليه سؤال مفاجئ عن احتمال الاجتماع بقادة إيران، وكوريا الشمالية، وغيرهما من الدول العدائية. فوعد أوباما أنه سيقبل بلقاء هؤلاء القادة خلال سنته الأولى في البيت الأبيض. بدا هذا الجواب هفوة شائنة حاول مساعدوه في الحال تحويرها في حديثهم مع المراسلين، قبل أن يكتشفوا أن حدس المرشح الرئاسي كان صائباً وأن الناخبين أحبوا الفكرة.

لكن انزعاج أوباما من الصراعات المفتوحة تجلى بوضوح تام في اللحظة التي كاد فيها يشن حرباً: التهديد بضرب سورية بعد استعمال الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه في شهر أغسطس الماضي. لم نفهم جيداً ما كان الرئيس يرغب حقاً في تحقيقه وكيف. صحيح أن الشعب الأميركي نسي تقريباً قراره بالتراجع عن تهديد ضرب سورية بإحالة هذه المسألة إلى الكونغرس، إلا أن هذه الخطوة زادت جرأة نظام بشار الأسد وأحد أهم داعميه، روسيا التي تعتبره اليوم بالغ الضعف.

قد تساهم العلاقات الأكثر وداً مع إيران في إعادة تشكيل إطار ذلك الصراع أيضاً، في حال تخطى التعاون بين هذين البلدين المسألة النووية. ويبدو اليوم أن أوباما أمضى كل عهده الرئاسي يسعى إلى هذا النوع من التعاون، منفراً الكثير من الحلفاء خلال هذه العملية، مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية. كذلك تجاهلت إدارة أوباما تقريباً مصالح استراتيجية أميركية سابقة، منها مصر التي تحولت إلى نظام حكم ديكتاتوري عسكري، وأوكرانيا وجورجيا اللتان عادتا إلى المدار الروسي.

ولكن لكل رئيس أولوياته. وقد أوضح أوباما ذلك. وحقق اليوم الإرث الذي سعى له في السياسة الخارجية. وربما يستطيع النرويجيون اليوم أن يشعروا بثقة أكبر بشأن قرارهم المتسرع منح أوباما الجائزة.

Ben Smith