من الخطأ قياس الأداء بالإنفاق المالي وليس بالنتائج والمؤشرات  

Ad

 نحتاج إليها «مشروع دولة» لا تجميعاً لخطط الوزارات

الإيجابي في تغيير خطة التنمية هو اعتراف الحكومة بخطأ الخطة السابقة، أما السلبي فهو عدم الكشف بشفافية واضحة عن الاختلالات التي واجهتها والسبل التي سيتم العمل بها مع مختلف الملفات التنموية.

من المنتظر ان تقدم وزارة الدولة لشؤون التخطيط والتنمية مشروع خطة خمسية جديدة للتنمية، بدلا من الخطة الخمسية السابقة، بعد أن ألمحت الوزيرة هند الصبيح الى أن الخطة الجديدة التي ستقدم في يونيو المقبل ستكون «أقرب إلى الواقع دون إبهار المجتمع بوعود لا يمكن تنفيذها»، في اشارة تتسق مع ما ذكره قبل اشهر وزير المالية السابق سالم الصباح بشأن انتقاداته لخطة التنمية التي وصفها بأنها «لم تكن مرتكزة على قواعد صحيحة، وسيتم تقديم خطة جديدة في أبريل المقبل».

وبين «يونيو» الصبيح و«أبريل» الصباح يظهر لدينا ابتداءً ان الالتزام الحكومي بالوقت اقل مما يجب، فالخطة الخمسية التي تتضمن خططا سنوية تبدأ بالعادة في ابريل، ما يعني ان الخطة الاولى ستبدأ منقوصة شهرين من العام المالي... ومع ان التأخير في الوقت اذا اردنا التفاؤل يعتبر شكلياً ولا يؤثر على الخطة، فإن هناك اختلالات في منهجية وفلسفة الخطة السابقة يجب ان تتلافاها الخطة القادمة إن كان الهدف فعلا تحقيق نتائج عملية على مستوى خطة التنمية بوصفها مشروع دولة، لا تجميعاً لخطط الوزارات في خطة واحدة كما حدث مع الخطة السابقة والتي اعترفت الحكومة بفشلها.

تحديد الهدف

اول ما يجب ان تعتمد عليه الخطة الجديدة هو ان يكون لها هدف محدد بأن تكون موجهة للتنمية البشرية اكثر من تنمية المشاريع، بمعنى انها يجب ان تحدد الأهداف في تغيير نمط التعليم وفق احتياجات سوق العمل أو ان تعمل على معالجة الاختلالات في الميزانية، وتتجه أكثر نحو رفع نسبة الإيرادات غير النفطية مقابل نظيرتها النفطية في الميزانية.

كذلك يجب ان يرتبط قياس اداء خطة التنمية بالمؤشرات وليس فقط بما تم انفاقه من اموال... فالقول ان ما تم انفاقه على خطة التنمية بلغ 9.5 مليارات دينار لا يعني شيئا ما لم ينعكس ذلك على مؤشرات ككفاءة سوق العمل وجودة التعليم والحرية الاقتصادية وسهولة الأعمال والكفاءة الصحية وغيرها، وهي مؤشرات شهدت درجة عالية من التراجع تزامنت مع انطلاق خطة التنمية عام 2009.

التعليم والعمل

بل انه في ظل عمل حكومي لتنفيذ خطة التنمية تراجعت جودة التعليم في الكويت ما بين عامي 2009 و2012 حسب تقرير التنافسية الدولي من الترتيب 81 الى 104 عالميا، وهو ما صاحبه تراجع مؤشر كفاءة سوق العمل من الترتيب 59 الى 98 عالميا مع ان حل مشكلة مثل ربط التعليم باحتياجات سوق العمل يعتبر من اهم اولويات الاصلاح الاقتصادي في الكويت، خصوصا ان الخطاب الحكومي الرسمي لا ينفك يشكو تكدس العمالة الكويتية في القطاع الحكومي، وبالتالي فإنه من الاولوية العمل على خلق فرص بديلة في القطاع الخاص بما يواكب توجيه التعليم نحو احتياجات سوق العمل.

الإيجابي في تغيير خطة التنمية هو اعتراف الحكومة بخطأ الخطة السابقة، اما السلبي فهو عدم الكشف بشفافية واضحة عن الاختلالات التي واجهت تلك الخطة والسبل التي سيتم العمل بها مع مختلف الملفات التنموية... فخطة التنمية مفهوم عام جداً فيه تحديات خاصة بالتعليم وسوق العمل وإصلاح الميزانية، ناهيك عن مشاريع البنية التحتية والخدمات وتطوير المؤسسات، وهذه كلها تحديات سجلت الكويت فيها تراجعات عالية لافتة في الفترة الماضية، فمن يضمن ألا تكون خطة التنمية الجديدة على منوال سابقتها؟!

خطأ بالإدارة

عندما تشرف ادارة على خطة بحجم خطة التنمية لمدة 5 سنوات ثم تكتشف انها تسير في الطريق الخطأ فإن هذا السلوك يشير الى ان العلة ليست فقط في خطة التنمية بل في الإدارة الحكومية التي اشرفت على تنفيذها منذ اليوم الأول لإقرارها عام 2009، والتي لم تكتشف ان هذه الخطة غير نافعة وتحتاج ان تكون واقعية اكثر إلا في العام الأخير من تنفيذها، وهو ما يستلزم تغييرا في فلسفة الخطة وأهدافها وأيضا في طريقة ادارتها والقائمين عليها، فلا يعقل اضاعة 5 سنوات من التوقعات الإيجابية تمر بلا محاسبة لأي طرف سياسي او فني.

والمزعج في توقعات خطة التنمية المقبلة انها ستصدر من حكومة ارادت رفع نسبة الانفاق الراسمالي في ميزانية 2014-2015 فتراجع  9 في المئة وخططت لزيادة الايرادات غير النفطية فانخفضت 0.7 في المئة، وعزمت على خفض اجمالي المصروفات فنمت بنسبة 3.2 في المئة، وبالتالي فإن من يريد ان يضع خطة تنمية، والتي يفترض أنها اكبر واشمل من خطة اعداد الميزانية، ان يكون اكثر مسؤولية وحزماً وقدرة في التنفيذ وقياس النتائج.

البيانات التي صدرت خلال السنوات الماضية عن الاخفاق في تنفيذ خطة التنمية لا يمكن ان تعبر عن الامكانيات الحقيقية لبلد نفطي يحقق الفوائض المالية المتتالية منذ اكثر من 15 عاما، وهذه البيانات لا يمكن أن تبني اقتصاداً حقيقياً تتوافر فيه الفرص المغرية للمستثمر الأجنبي أو حتى المحلي، فبيئة الاستثمار السليمة تتطلب طرحاً للفرص الجيدة والقوانين التي تحمي المستثمر والدولة.