إن وجود حالة الأنانية ليس في القطاع النفطي فقط بل في قطاعات الدولة المختلفة، كما رأينا في «الجمارك» و«التربية» وغيرها من قطاعات الدولة، والتنافس بين جهازي القضاء والفتوى والتشريع على المميزات بحيث صار لسان حال الجميع: «أنا ومن بعدي الطوفان»، وهي حالة خطيرة جداً وتعكس تفكير العقل الباطن لأغلب المواطنين.

Ad

هناك مقولة مشهورة للرئيس جون كنيدي قالها في حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة قبل 51 عاماً وهي: "لا تسأل ماذا يمكن لوطنك أن يقدم لك، اسأل عن ماذا يمكنك تقديمه لوطنك"، وهي بحق مقولة رائعة تجسد معاني الوطنية الحقة القائمة على الإخلاص والعمل على النهوض باسم البلد حتى ولو تطلب تقديم تضحيات.

تذكرت هذه المقولة عند سماع تهديد النقابات النفطية بالإضراب لمجرد تعديل مؤسسة البترول لنظامي "مشاركة النجاح" و"البونص السنوي" بحيث تكونان فقط أقل من المعتاد وليس إلغاءهما ككل!

لن أدخل في تفصيل هذه المزايا ومدى استحقاق موظفي النفط لها، فرأيي معروف من زمان وهو ضد مجمل هذه المزايا والطريقة التي أُقرت بها زيادة الرواتب لهذا القطاع قبل أكثر من سنتين بالرغم من كوني أحد العاملين في هذا القطاع. فما يهمني هي حالة الأنانية التي وصلنا إليها بحيث يكون البعض مستعداً لشل المرفق الرئيسي في البلد لمجرد تقليل بسيط لـ"بعض" المزايا التي يتمتع بها، بالرغم من أن هذه المزايا مبالغ فيها بشكل كبير أصلاً وخلقت فجوة كبيرة بينه وبين نظرائه في الوزارات تصل إلى أكثر من 100 في المئة، بينما نرى أصحاب شهادات البكالوريوس في نفس القطاع ليسوا متحمسين لهذا الاضراب مع أن الفارق بينهم وبين نظرائهم في الوزارات لا يتجاوز 30 في المئة في أحسن الأحوال!

إن وجود حالة الأنانية هذه ليس في القطاع النفطي فقط بل في قطاعات الدولة المختلفة، كما رأينا في الجمارك والتربية وغيرها من قطاعات الدولة والتنافس بين جهازي القضاء والفتوى والتشريع على المميزات بحيث صار لسان حال الجميع: "أنا ومن بعدي الطوفان".

أقول إن هذه الحالة خطيرة جداً وتعكس في الواقع تفكير العقل الباطن لأغلب المواطنين، وهو الاعتقاد بأن الدولة باتت مؤقتة ويعمها الفوضى، لذلك على الكل المطالبة بأكبر قدر ممكن من العطايا والهبات والكوادر والزيادات قبل فوات الأوان ودخول الدولة في مرحلة العجز المالي. وما انتشار فكرة الهجرة بين الكثيرين- وهو ما لم يكن موجوداً قبل 10 سنوات- وانتشار عبارة "خاربه خاربه" عند مناقشة الكثيرين بموضوع خطورة تضخم الرواتب بهذا الشكل الفوضوي والجنوني إلا دليل على ما أقول.

لكني لا أضع كل اللوم على المواطنين لوصولهم إلى هذه الحالة، فاللوم الأكبر يقع على عاتق السلطة، لأنها أوصلت الناس إلى هذه الحالة التعيسة بسبب استمرار سوء إدارتها للدولة وعدم استيعابها إلى الآن أن الزمن تغير وأن "ما بني على باطل فهو باطل"، فنحن الآن بدأنا بدفع أثمان الطريقة الخرقاء لإدارة البلد منذ ولادة الدستور قبل خمسين عاماً، فمشاكل السكن والتعليم والصحة والبيروقراطية وانعدام العدالة والمساواة وتضخم ميزانية الدولة بشكل جنوني تتراكم يوماً بعد يوم وستنفجر قريباً، بينما السلطة غارقة في صراعاتها الداخلية ولا تمتلك أي أجوبة لكل هذه المشاكل.

فعندما لا تكون مؤسسات الدولة وخيراتها مسخرة للنهوض بالبلد وتحقيق العدالة والمساواة بل تكون أداة بيد علية القوم يوظفونها لتحقيق أجنداتهم الخاصة، فمن الطبيعي ألا يبالي الناس في أداء أعمالهم بإخلاص، وأن تنتشر الرشوة بين موظفي الدولة، وأن تغلب الأنانية على سلوكهم، فـ"ما دام رب البيت بالدف ضارباً، فشيمة أهل الدار الرقص"!