حاولت تجنب الكتابة حول الاتفاقية الأمنية لأن موقفي كما هو موقف التيار الذي أنتمي إليه من الاتفاقية الأمنية ومن الحريات الفردية والمدنية هو موقف مبدئي واضح وثابت لم يتغير بتغير مناصب رئاسة مجلسي الوزراء والأمة. فهذا النوع من الاتفاقيات مرفوض من حيث المبدأ، ومن حيث المضمون، لأسباب عديدة على رأسها المخاوف المشروعة من أن يساء استخدام مثل تلك الاتفاقيات في قمع المطالب المستحقة للشعوب الخليجية، وعلى رأسها مطالب الإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية، وكذلك الخوف من إساءة تفسير بنودها لقمع الحريات الفردية والمدنية في الكويت.

Ad

ونعلم أن ما نتحدث عنه اليوم هو اتفاقية معدلة ومختلفة عن اتفاقية ثمانينيات القرن الماضي، فهي أخف وطأة من سابقتها، إلا أن غموض بعض موادها بلا شك يعزز المخاوف من إقرارها ويضعف الثقة فيها، فضلاً عن توقيتها الذي تزامن مع محاولات قمع الحراك السياسي في المنطقة لاسيما في الكويت والبحرين. ولن أدخل في تحليل بنود الاتفاقية فأترك ذلك للمختصين، إلا أن ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع هو ردود فعل البعض منها.

إن موقف التحالف الوطني والمنبر الديمقراطي من الاتفاقية الأمنية موقف متوقع وغير مستغرب، فهما دائماً اللذان يتصديان، وحيدين في كثير من الأحيان، لمحاولات قمع الحريات وفق مسطرة واحدة غير متعرجة، إلا أن المستغرب هو تباكي من تصدر محاولات قمع الحريات في الأمس على الاتفاقية الأمنية اليوم بحجة تعارضها مع الحريات المكفولة دستورياً. تلك الهستيريا التي أصابت البعض خوفاً على حرياتهم باتت كأنها صحوة مفاجئة بعد غيبوبة طويلة من التناقض والمواقف العكسية. وأي صحوة هي بلا شك محمودة إن كانت صحوة صادقة.

فهنالك من صحا من غيبوبة الدفاع المستميت عن النظام ليدعو النواب إلى الاستقالة إن أقر المجلس الاتفاقية الأمنية وقبل أشهر معدودة عندما كان يلتحف بشت الرئاسة كان داعماً لذات الاتفاقية لأنها "تحافظ على النظام في الكويت" حسب تصريحه. سبحان مغير الأحوال.

أما التساؤل الذي لم أجد له جواباً هو كيف لمن قدم استجواباً لرئيس الوزراء في مجلس ٢٠٠٩ لأنه لم يرسل قوات كويتية لتساهم في قمع التظاهرات في البحرين الشقيقة يتباكى اليوم على الاتفاقية الأمنية؟ مضمون هذا المحور من الاستجواب هو تفعيل لأكثر بنود الاتفاقية خطورة، ألا وهو تدخل القوات الأمنية الخليجية في الشأن المحلي والمساهمة في قمع الحراك السياسي في الدول الخليجية.

إن ذاكرتنا، ولله الحمد، مازالت حية ومازلنا نذكر ما نالنا من هجوم واتهامات باطلة لأننا لم نصادق على ما تضمنه الاستجواب من دعوة لتدخل قوات الأمن الكويتية في الشأن الداخلي البحريني.

إن من دعم الاستجواب وأيده حينها ويهاجم الاتفاقية الأمنية حالياً هو من يضرب مثالاً واضحاً "للتناقض" في المواقف ويمارس "التذاكي" بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ونحمد الله أن حراكنا لم يكن "شيعياً" كما هو في البحرين، وإلا لكنتم أول من يصادق على الاتفاقية الأمنية.